بقلم / د. محمود محمد علي
يعد “وينستون تشرشل” (30 نوفم
1874 – 24 يناير 1965) هو واحداً من قادة العالم الكبار في القرن العشرين، وساعدت قيادته لـ بريطانيا على الوقوف بقوة ضد هتلر والألمان، حتى عندما كانوا آخر بلد تبقى في القتال أمام هتلر، واشتهر تشرشل بـ خطاباته المُلهمة والمقولات المشهورة عنه، وكان تشرشل أحد أشهر رجال عصره، ومن أعظم رجال السياسة في القرن العشرين، ورغم ولادته لعائلة ثرية فقد كرس نفسه للخدمة العامة؛ وقد اختلف الناس حول إرث تشرشل وشخصيته التي جمعت كثيرًا من التناقضات، فقد كان مثاليًا وبراغماتيًا، وخطيبًا وجنديًا، وداعيًا إلى الإصلاح التقدمي ونخبويًا متحمسًا، ومدافعًا عن الديمقراطية – خاصةً في أثناء الحرب العالمية الثانية، وعن الإمبراطورية البريطانية المتهاوية في الوقت نفسه، لكن المؤكد أن الكثيرين داخل بريطانيا وخارجها يعدونه بطلًا.
اسمه كاملا فهو ونستون ليونارد سبنسر تشرشل، ويعتبر واحداً من أهم الزعماء في التاريخ البريطاني والعالمي الحديث، وقد ولد لعائلة عريقة من الأرستقراطيين السياسيين، فأبوه اللورد (راندولف تشرشل) ينحدر من دوق (مالبورو) الأول، وكان أيضًا سياسيًا معروفًا في حزب المحافظين في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر. ووالدته (جيني جيروم) هي أمريكية ورثت ثروة والدها الذي كان مُضاربًا في البورصة وأحد مالكي صحيفة نيويورك تايمز (كانت الأمريكيات الثريات اللائي يتزوجن نبلاء أوروبيين يُعرَفن باسم أميرات الدولار).. وُلد تشرشل في منزل العائلة بالقرب من أكسفورد في 30 نوفمبر سنة 1874.. وتلقى تعليمه في مدرسة هارو الإعدادية، وكان أداؤه الدراسي ضعيفًا، فلم يكلف نفسه عناء محاولة الانضمام إلى جامعة أكسفورد أو كامبريدج، بل انضم إلى أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية سنة 1893.
وقد سافر تشرشل بعد تخرجه في ساندهيرست في كل أنحاء الإمبراطورية البريطانية بوصفه جنديًا وصحافيًا، وسافر سنة 1896 إلى الهند، ونشر كتابه الأول سنة 1898، وسرد فيه تجاربه التي خاضها في الأقاليم الحدودية شمال غرب الهند. وبعثته صحيفة (لندن مورنينج بوست) سنة 1899 لتغطية حرب البوير في جنوب إفريقيا، ووقع أسيرًا في يد جنود العدو فور وصوله (لكن أخبار هروبه الجريء من نافذة الحمام الصغيرة جعلت منه شخصًا شهيرًا في بريطانيا).. وعندما عاد تشرشل البالغ من العمر 26 عامًا إلى إنجلترا سنة 1900 كان قد نشر 5 كتب باسمه.
وقد انضم ونستون تشرشل في العام نفسه إلى مجلس العموم نائبًا عن حزب المحافظين، ثم غير انتماءه الحزبي بعد 4 سنوات ليصبح ليبراليًا. وسعى لتحقيق إصلاحات اجتماعية تقدمية كالمطالبة بيوم عمل مدته ثماني ساعات، وحد أدنى للأجور تفرضه الحكومة، وتبادل عمالة للعاطلين عن العمل تديره الدولة، ونظام تأمين صحي شامل، ما سبب إثارة غضب زملائه المحافظين الذين اتهموه بخيانة أبناء طبقته الثرية.
وقد صرف تشرشل انتباهه سنة 1911 عن السياسة الداخلية عندما أصبح الأميرال الأول (وهو منصب يعادل وزير البحرية في الولايات المتحدة). لاحظ تشرشل أن ألمانيا تزداد عدوانية يومًا بعد يوم، فبدأ بإعداد بريطانيا العظمى للحرب، وأنشأ سلاح جو البحرية الملكية، وطور الأسطول، وساهم في اختراع إحدى الدبابات الأُوَل للجيش البريطاني.
وبرغم استعداد تشرشل وبصيرته، وصلت الحرب العالمية الأولى إلى طريق مسدود منذ بدايتها، فاقترح شن حملة عسكرية في محاولة لتحسين وضع بلاده في الحرب. كان هدف الحملة غزو شبه جزيرة جاليبولي في تركيا سنة 1915، لكن سرعان ما تحولت هذه الحملة إلى كارثة.
أمِل تشرشل أن يدفع هذا الهجوم تركيا إلى الانسحاب من الحرب وأن يشجع دول البلقان على الانضمام إلى الحلفاء، لكن مقاومة تركيا كانت أقوى مما توقع، وبعد تسعة أشهر من القتال وسقوط 250 ألف قتيل، اضطر الحلفاء إلى الانسحاب مهزومين، استقال تشرشل بعد كارثة جاليبولي البحرية.
تنقل تشرشل بين الوظائف الحكومية في العشرينيات والثلاثينيات، وعاد إلى حزب المحافظين سنة 1924. كان تشرشل يحذّر مواطنيه باستمرار من خطر صعود القومية الألمانية، خاصةً بعد وصول النازيين إلى الحكم سنة 1933، لكن البريطانيين كانوا مرهقين من الحرب وغير مستعدين للتدخل في الشؤون الدولية مرةً أخرى، وتجاهلت الحكومة البريطانية أيضًا تحذيرات تشرشل محاولةً تجنب الصدام مع هتلر، حتى أن رئيس وزراء بريطانيا (نيفيل تشامبرلين) وقَّع سنة 1938 اتفاقًا يمنح ألمانيا جزءًا من تشيكوسلوفاكيا. وانتقد تشرشل هذه الاتفاقية قائلًا: “رمى دولة صغيرة إلى الذئاب مقابل وعد بالسلام”.
وبالفعل حنث هتلر بوعده بعد عام وغزا بولندا، فأعلنت كل من بريطانيا وفرنسا الحرب، ودُفِع تشامبرلين إلى الاستقالة من منصبه، وتولى ونستون تشرشل منصب رئيس الوزراء سنة 1940، واستمر فيه خلال الحرب العالمية الثانيةوذلك بعد استقالة تشامبرلين، وكان أول من أشار بعلامة النصر بواسطة الإصبعين السبابة والوسطى، حتى مازال العالم يستعملها تعبيراً عن النصر، حيث إن حرف (V) هو أول حروف كلمة “انتصار” بالإنجليزية، وبعد الحرب خسر الانتخابات سنة 1945وأصبح زعيم المعارضة ثم عاد إلى منصب رئيس الوزراء ثانية في 1951إلى أن تقاعد نهائياً واستقال في5 أبريل 1955، وفى استطلاع قامت به هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” سنة 2002 اختير كواحد من أعظم مائة شخصية بريطانية.
وقد جاء تشرشل رئيسًا لوزراء بريطانيا مرتين، الأولى من مايو 1940 حتى يوليو 1945، والثانية من أكتوبر 1951 إلى أبريل 1955، حيث قدم استقالته ليخلفه على رئاسة الوزراء أنتونى إيدن و”تشرشل” مولود في 30 نوفمبر 1874 بقصر بلنهايم بأكسفوردشاير في إنجلترا، وتوفى في يناير 1965، وحين تولى الوزارة عام 1940 لمواجهة الخطر النازى رفع معنويات شعبه وجيشه أثناء الحرب ولم يخضع لأدولف هتلر الذي قال له: “إننا لا نريد محاربتك نحن نريد استسلامك”، ولكن “تشرشل” قاوم حتى كان النصر حليفه، وهو ينتمى سياسيًا لحزب المحافظين، ورغم أنه سياسى قدير بالأساس، وقاد بلاده للنصر فى الحرب العالمية الثانية ورجل سياسة وحرب من الطراز الأول، إلا أنه نال جائزة نوبل عام 1953فى الآداب عن كتبه المهمة في التاريخ.
وكان تشرشل رساماً بارعاً وكثيراً ما كان يتوجّه إلى الفن والرسم من أجل التخلّص من مشاعر الاكتئاب التي سيطرت عليه خلال فترة الحروب، وغالباً ما كان يرسم اللوحات الطبيعيّة الزيتيّة مع وجود عدد من اللوحات المغلقة له، وكان بول ميز من حبب تشرشل في للفن وعلّمه الطرق الصحيحة للرسم بعد أن رافقه لفترة طويلة في القوات المسلحة خلال الحرب، ورسم تشرشل المئات من اللوحات الفنية المحفوظة في منزله حتى الآن. ولتشرشل أعمال أدبية أيضاً، فله رواية واحدة هي سافرولا، كما أن له العديد من الأعمال الأدبية الأخرى مثل مذكراته عن الحرب العالمية الثانية والمؤلفة من ستة مجلدات، كما أن له العديد من الخطابات الرائعة.
وتأكيداً للجانب الأدبي في شخصية تشرشل، أعلن أخيراً اكتشاف بائع مخطوطات لقصيدة له بعنوان شعاراتنا الحديثة كتبها في عام 1899 عن الإمبراطورية البريطانية ، وكان تشرشل يوصف أيضاً بأنه شاعر حتى الصميم، وقامت ابنته بجمع عدد من كتاباته القليلة منها أشعار لم تنشر بعد وتتضمن مجموعة من الأبيات لها ذكريات خاصة عنده منها قصيدة الانفلونزا التي كتبها في عمر الخامسة عشرة في عام ،1890 عندما كان تلميذاً في مدرسة هارو سكول، وحصل تشرشل وقتها على جائزة هوس بريز التي جعلته يسترد مكانته أمام معلميه ووالديه الذين لم يكونوا راضين عن درجاته الدراسية ، والقصيدة تعطي لمحة عن استخدامه الجيد للغة وحسه التاريخي، وأسلوبه الفكاهي وتم نشرها في صحيفة المدرسة وقتها، وبعد خمسين عاماً وتحديداً في 10 ديسمبر ،1940 وعندما أصبح مشهوراً نشرت في متاجر الكتب المدرسية .
وبعد وفاة والده اللورد راندولف في عام ،1895 كان على تشرشل أن يعمل ليحصل على قوته، وكان أول عمل تلقى عليه أجراً هو الكتابة، في نفس هذا العام، عن سلسلة مقالات عن حرب استقلال كوبا في صحيفة ذي غرافيك، وحتى وفاته كانت الكتابة هي مصدر الدخل الرئيس له، وكتب حوالي من 8 إلى 10 ملايين كلمة في أكثر من 40 كتاباً، وآلاف المقالات في الجرائد والمجلات، وقام أيضاً بكتبة سيناريوهين .
وعند الإعلان عن منح تشرشل المواطنة الفخرية للولايات المتحدة، قال الرئيس الكندي عنه إنه يستطيع تحريك اللغة الإنجليزية ويرسلها إلى المعركة، فقد كانت خطاباته التي يلقيها أمام الجنود ترفع من معنوياتهم، وكتب العديد من الكتب حول المعارك التي شارك فيها ، وفي عام 1906 ألقى تشرشل قصيدة في نادي المؤلفين قال فيها: إن المؤلفين هم أسعد الأشخاص في العالم لأن عملهم ممتع، لا يستطيع أحد أن يجبر نفسه على الجلوس والتأليف من دون أن يشعر بسعادة حقيقية في منتصف العمل . ولقيت هذه الكلمات إعجاب الكثيرين وقتها .
وكان تشرشل يجيد الحديث والكتابة مستخدماً السجع، حيث يرتب الكلمات بطريقة تشبه الشعر الحر، وعلى الرغم من أنه لم يكن يوصف بأنه شاعر غزير الإنتاج إلا أنه كان يستمتع بدرجة كبيرة بالشعر ولديه قدرة فائقة على الاحتفاظ بأبيات في ذاكرته وتلاوتها في الأوقات المناسبة، وكان تشرشل يطلق على زوجته كلمنتين اسم بوسي كات، وكان يزين خطاباته إليها برسومات قطط، وفي إبريل عام 1924 انتقل إلى بيته في تشارتويل بينما كانت زوجته موجودة وقتها في مدينة أخرى، وأرسل لها خطاباً عبارة عن قصيدة شعرية بعنوان بوسي كات، يعبر فيها عن اشتياقه إليها ويشبهها بالملكة ، وعبر عن حبه لاستخدام الألوان الزيتية النادرة بدلاً من الألوان المائية من خلال إلقائه لبعض الأبيات بالفرنسية .
وتلقى تشرشل جائزة نوبل في الأدب عام 1953 وهي أول جائزة من نوعها تمنح لرئيس وزراء عن مجموع أعماله المنشورة وقتها، خاصة كتابه الحرب العالمية الثانية المكون من 6 أجزاء، ونال الجائزة في حفل كبير وكانت تقديراً لبراعته في الوصف التاريخي وتناول السير الذاتية وتميزه في فن الخطابة والدفاع عن القيم الإنسانية العليا ، وكان دائماً يحدث خلط بينه وبين روائي أمريكي آخر يحمل الاسم نفسه، وكانت الروايات التي يكتبها الكاتب الأمريكي تنسب لتشرشل البريطاني خاصة عند بائعي الكتب رغم أنه لم يكتب غير رواية واحدة .
وأول كتاب منشور لتشرشل كان قوة الميدان في مالكلاند، وهي حول الحملة العسكرية التي قامت بها القوات البريطانية عام 1897 على الحدود الشمالية الغربية، وهي تعد الآن جزء من باكستان وأفغانستان، وكتب سافرولا بعد حملة مالكلاند، وهي العمل الروائي الوحيد له ويعتمد على الرومانسية الخيالية، ويقال إن بعض شخصيات القصة مأخوذة من أفراد عائلته .
وثاني كتاب لتشرشل هو حرب النهر ويعد عملاً تقييمياً لإعادة غزو بريطانيا للسودان، وكتبه خلال عمله ضابطاً في الجيش البريطاني . وكتب أيضاً الحرب العالمية الثانية وتناول فيه الفترة التاريخية عقب الحرب العالمية الأولى وحتى يوليو/ تموز 1945 ، وكتاب أفكار ومغامرات يضم مجموعة من المقالات التي كتبها تشرشل للصحف حول مغامراته وحبه للطيران وتحطم طائرته، كما تناول أيضاً مخاطر التقدم العلمي خاصة النووي ، ولم تتوقف مهارات تشرشل على الأدب فقط ولكنه كان فناناً تشكيلياً أيضاً، فقد كان يشعر بسعادة غامرة عندما يمسك بالفرشاة ويبدأ الرسم .
ورسوماته تتناول الطبيعة وتعكس انطباعاته عنها، ومعظمها رسمها خلال إجازته التي كان يقضيها في مصر أو المغرب، وكان يعتبرها هوايته المفضلة، وقام برسم مئات اللوحات الفنية، وعرض العديد منها في استوديو في منزله بمنتجع تشارتويل، وضمن مجموعات خاصة للفنانين، واستخدم الألوان الزيتية في رسمها، وقام برسم العديد من المناظر الداخلية والبورتريهات، وفي عام 1925 تم اختيار لوحته إشراق شمس الشتاء كأفضل لوحة في حفل أقيم للفنانين الهواة المجهولين، ونال عنها الجائزة، وتعرض أيضاً عديد من لوحاته في متحف دالاس للفنون بالولايات المتحدة الأمريكية .
ووفقاً لما ذكره موقع National Trust، فإن تشرشل رسم خلال تلك العطلة القصيرة 15 لوحة خلال 21 يوماً فقط، ومن بينها كانت لوحة مشهد البحيرة الإيطالية.. أما لوحة شاطئ ولمر Beach at Walmer فهي الأخرى من بين أبرز لوحات تشرشل، وقد بيعت في مزاد كريستي للفنون البريطانية والأيرلندية العلني، بقيمة تجاوزت 350 ألف دولار أمريكي.. وتعرض اللوحة شاطئاً قرب قلعة دوفر في بريطانيا، داخله مدفع قديم يحرس الشاطئ والقلعة.
ووفقاً لما ذكره موقع BBC، فإن تشرشل كان يكره التخلي عن أي من أعماله الفنية، لكنه أهدى هذه اللوحة إلى الجنرال إسماي، أحد أبرز مستشاريه العسكريين في الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد أن وعده مرات عديدة سابقة بإهدائه إحدى لوحاته، ومن بين رسوماته المميزة أيضاً لوحة حوض سمك الزينة، التي بيعت في أحد المزادات بلندن بنحو 2.8 مليون دولار أمريكي، وتمثل اللوحة التي رسمها في العام 1932 حوض السمك الذي كان موجوداً في منزله بمقاطعة كنت جنوب شرقي البلاد.
ووصفت دار سوذبيز اللوحة التي تحمل عنوان “حوض سمك الزينة في تشارتويل” بأنها “بلا شك تحفة أعمال تشرشل من عقد الثلاثينيات” و”نموذج فذ لأعمال الفنان في ذروة تألقه”، ومن بين رسوماته الأخرى أيضاً لوحة الشاطئ بالقرب من مدينة كان، وقد بيعت بـ1.1 مليون دولار، ولوحة المفروشات في قصر بلينهايم، وبيعت أيضاً بـ1.8 مليون دولار.
اسمه كاملا فهو ونستون ليونارد سبنسر تشرشل، ويعتبر واحداً من أهم الزعماء في التاريخ البريطاني والعالمي الحديث، وقد ولد لعائلة عريقة من الأرستقراطيين السياسيين، فأبوه اللورد (راندولف تشرشل) ينحدر من دوق (مالبورو) الأول، وكان أيضًا سياسيًا معروفًا في حزب المحافظين في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر. ووالدته (جيني جيروم) هي أمريكية ورثت ثروة والدها الذي كان مُضاربًا في البورصة وأحد مالكي صحيفة نيويورك تايمز (كانت الأمريكيات الثريات اللائي يتزوجن نبلاء أوروبيين يُعرَفن باسم أميرات الدولار).. وُلد تشرشل في منزل العائلة بالقرب من أكسفورد في 30 نوفمبر سنة 1874.. وتلقى تعليمه في مدرسة هارو الإعدادية، وكان أداؤه الدراسي ضعيفًا، فلم يكلف نفسه عناء محاولة الانضمام إلى جامعة أكسفورد أو كامبريدج، بل انضم إلى أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية سنة 1893.
وقد سافر تشرشل بعد تخرجه في ساندهيرست في كل أنحاء الإمبراطورية البريطانية بوصفه جنديًا وصحافيًا، وسافر سنة 1896 إلى الهند، ونشر كتابه الأول سنة 1898، وسرد فيه تجاربه التي خاضها في الأقاليم الحدودية شمال غرب الهند. وبعثته صحيفة (لندن مورنينج بوست) سنة 1899 لتغطية حرب البوير في جنوب إفريقيا، ووقع أسيرًا في يد جنود العدو فور وصوله (لكن أخبار هروبه الجريء من نافذة الحمام الصغيرة جعلت منه شخصًا شهيرًا في بريطانيا).. وعندما عاد تشرشل البالغ من العمر 26 عامًا إلى إنجلترا سنة 1900 كان قد نشر 5 كتب باسمه.
وقد انضم ونستون تشرشل في العام نفسه إلى مجلس العموم نائبًا عن حزب المحافظين، ثم غير انتماءه الحزبي بعد 4 سنوات ليصبح ليبراليًا. وسعى لتحقيق إصلاحات اجتماعية تقدمية كالمطالبة بيوم عمل مدته ثماني ساعات، وحد أدنى للأجور تفرضه الحكومة، وتبادل عمالة للعاطلين عن العمل تديره الدولة، ونظام تأمين صحي شامل، ما سبب إثارة غضب زملائه المحافظين الذين اتهموه بخيانة أبناء طبقته الثرية.
وقد صرف تشرشل انتباهه سنة 1911 عن السياسة الداخلية عندما أصبح الأميرال الأول (وهو منصب يعادل وزير البحرية في الولايات المتحدة). لاحظ تشرشل أن ألمانيا تزداد عدوانية يومًا بعد يوم، فبدأ بإعداد بريطانيا العظمى للحرب، وأنشأ سلاح جو البحرية الملكية، وطور الأسطول، وساهم في اختراع إحدى الدبابات الأُوَل للجيش البريطاني.
وبرغم استعداد تشرشل وبصيرته، وصلت الحرب العالمية الأولى إلى طريق مسدود منذ بدايتها، فاقترح شن حملة عسكرية في محاولة لتحسين وضع بلاده في الحرب. كان هدف الحملة غزو شبه جزيرة جاليبولي في تركيا سنة 1915، لكن سرعان ما تحولت هذه الحملة إلى كارثة.
أمِل تشرشل أن يدفع هذا الهجوم تركيا إلى الانسحاب من الحرب وأن يشجع دول البلقان على الانضمام إلى الحلفاء، لكن مقاومة تركيا كانت أقوى مما توقع، وبعد تسعة أشهر من القتال وسقوط 250 ألف قتيل، اضطر الحلفاء إلى الانسحاب مهزومين، استقال تشرشل بعد كارثة جاليبولي البحرية.
تنقل تشرشل بين الوظائف الحكومية في العشرينيات والثلاثينيات، وعاد إلى حزب المحافظين سنة 1924. كان تشرشل يحذّر مواطنيه باستمرار من خطر صعود القومية الألمانية، خاصةً بعد وصول النازيين إلى الحكم سنة 1933، لكن البريطانيين كانوا مرهقين من الحرب وغير مستعدين للتدخل في الشؤون الدولية مرةً أخرى، وتجاهلت الحكومة البريطانية أيضًا تحذيرات تشرشل محاولةً تجنب الصدام مع هتلر، حتى أن رئيس وزراء بريطانيا (نيفيل تشامبرلين) وقَّع سنة 1938 اتفاقًا يمنح ألمانيا جزءًا من تشيكوسلوفاكيا. وانتقد تشرشل هذه الاتفاقية قائلًا: “رمى دولة صغيرة إلى الذئاب مقابل وعد بالسلام”.
وبالفعل حنث هتلر بوعده بعد عام وغزا بولندا، فأعلنت كل من بريطانيا وفرنسا الحرب، ودُفِع تشامبرلين إلى الاستقالة من منصبه، وتولى ونستون تشرشل منصب رئيس الوزراء سنة 1940، واستمر فيه خلال الحرب العالمية الثانيةوذلك بعد استقالة تشامبرلين، وكان أول من أشار بعلامة النصر بواسطة الإصبعين السبابة والوسطى، حتى مازال العالم يستعملها تعبيراً عن النصر، حيث إن حرف (V) هو أول حروف كلمة “انتصار” بالإنجليزية، وبعد الحرب خسر الانتخابات سنة 1945وأصبح زعيم المعارضة ثم عاد إلى منصب رئيس الوزراء ثانية في 1951إلى أن تقاعد نهائياً واستقال في5 أبريل 1955، وفى استطلاع قامت به هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” سنة 2002 اختير كواحد من أعظم مائة شخصية بريطانية.
وقد جاء تشرشل رئيسًا لوزراء بريطانيا مرتين، الأولى من مايو 1940 حتى يوليو 1945، والثانية من أكتوبر 1951 إلى أبريل 1955، حيث قدم استقالته ليخلفه على رئاسة الوزراء أنتونى إيدن و”تشرشل” مولود في 30 نوفمبر 1874 بقصر بلنهايم بأكسفوردشاير في إنجلترا، وتوفى في يناير 1965، وحين تولى الوزارة عام 1940 لمواجهة الخطر النازى رفع معنويات شعبه وجيشه أثناء الحرب ولم يخضع لأدولف هتلر الذي قال له: “إننا لا نريد محاربتك نحن نريد استسلامك”، ولكن “تشرشل” قاوم حتى كان النصر حليفه، وهو ينتمى سياسيًا لحزب المحافظين، ورغم أنه سياسى قدير بالأساس، وقاد بلاده للنصر فى الحرب العالمية الثانية ورجل سياسة وحرب من الطراز الأول، إلا أنه نال جائزة نوبل عام 1953فى الآداب عن كتبه المهمة في التاريخ.
وكان تشرشل رساماً بارعاً وكثيراً ما كان يتوجّه إلى الفن والرسم من أجل التخلّص من مشاعر الاكتئاب التي سيطرت عليه خلال فترة الحروب، وغالباً ما كان يرسم اللوحات الطبيعيّة الزيتيّة مع وجود عدد من اللوحات المغلقة له، وكان بول ميز من حبب تشرشل في للفن وعلّمه الطرق الصحيحة للرسم بعد أن رافقه لفترة طويلة في القوات المسلحة خلال الحرب، ورسم تشرشل المئات من اللوحات الفنية المحفوظة في منزله حتى الآن. ولتشرشل أعمال أدبية أيضاً، فله رواية واحدة هي سافرولا، كما أن له العديد من الأعمال الأدبية الأخرى مثل مذكراته عن الحرب العالمية الثانية والمؤلفة من ستة مجلدات، كما أن له العديد من الخطابات الرائعة.
وتأكيداً للجانب الأدبي في شخصية تشرشل، أعلن أخيراً اكتشاف بائع مخطوطات لقصيدة له بعنوان شعاراتنا الحديثة كتبها في عام 1899 عن الإمبراطورية البريطانية ، وكان تشرشل يوصف أيضاً بأنه شاعر حتى الصميم، وقامت ابنته بجمع عدد من كتاباته القليلة منها أشعار لم تنشر بعد وتتضمن مجموعة من الأبيات لها ذكريات خاصة عنده منها قصيدة الانفلونزا التي كتبها في عمر الخامسة عشرة في عام ،1890 عندما كان تلميذاً في مدرسة هارو سكول، وحصل تشرشل وقتها على جائزة هوس بريز التي جعلته يسترد مكانته أمام معلميه ووالديه الذين لم يكونوا راضين عن درجاته الدراسية ، والقصيدة تعطي لمحة عن استخدامه الجيد للغة وحسه التاريخي، وأسلوبه الفكاهي وتم نشرها في صحيفة المدرسة وقتها، وبعد خمسين عاماً وتحديداً في 10 ديسمبر ،1940 وعندما أصبح مشهوراً نشرت في متاجر الكتب المدرسية .
وبعد وفاة والده اللورد راندولف في عام ،1895 كان على تشرشل أن يعمل ليحصل على قوته، وكان أول عمل تلقى عليه أجراً هو الكتابة، في نفس هذا العام، عن سلسلة مقالات عن حرب استقلال كوبا في صحيفة ذي غرافيك، وحتى وفاته كانت الكتابة هي مصدر الدخل الرئيس له، وكتب حوالي من 8 إلى 10 ملايين كلمة في أكثر من 40 كتاباً، وآلاف المقالات في الجرائد والمجلات، وقام أيضاً بكتبة سيناريوهين .
وعند الإعلان عن منح تشرشل المواطنة الفخرية للولايات المتحدة، قال الرئيس الكندي عنه إنه يستطيع تحريك اللغة الإنجليزية ويرسلها إلى المعركة، فقد كانت خطاباته التي يلقيها أمام الجنود ترفع من معنوياتهم، وكتب العديد من الكتب حول المعارك التي شارك فيها ، وفي عام 1906 ألقى تشرشل قصيدة في نادي المؤلفين قال فيها: إن المؤلفين هم أسعد الأشخاص في العالم لأن عملهم ممتع، لا يستطيع أحد أن يجبر نفسه على الجلوس والتأليف من دون أن يشعر بسعادة حقيقية في منتصف العمل . ولقيت هذه الكلمات إعجاب الكثيرين وقتها .
وكان تشرشل يجيد الحديث والكتابة مستخدماً السجع، حيث يرتب الكلمات بطريقة تشبه الشعر الحر، وعلى الرغم من أنه لم يكن يوصف بأنه شاعر غزير الإنتاج إلا أنه كان يستمتع بدرجة كبيرة بالشعر ولديه قدرة فائقة على الاحتفاظ بأبيات في ذاكرته وتلاوتها في الأوقات المناسبة، وكان تشرشل يطلق على زوجته كلمنتين اسم بوسي كات، وكان يزين خطاباته إليها برسومات قطط، وفي إبريل عام 1924 انتقل إلى بيته في تشارتويل بينما كانت زوجته موجودة وقتها في مدينة أخرى، وأرسل لها خطاباً عبارة عن قصيدة شعرية بعنوان بوسي كات، يعبر فيها عن اشتياقه إليها ويشبهها بالملكة ، وعبر عن حبه لاستخدام الألوان الزيتية النادرة بدلاً من الألوان المائية من خلال إلقائه لبعض الأبيات بالفرنسية .
وتلقى تشرشل جائزة نوبل في الأدب عام 1953 وهي أول جائزة من نوعها تمنح لرئيس وزراء عن مجموع أعماله المنشورة وقتها، خاصة كتابه الحرب العالمية الثانية المكون من 6 أجزاء، ونال الجائزة في حفل كبير وكانت تقديراً لبراعته في الوصف التاريخي وتناول السير الذاتية وتميزه في فن الخطابة والدفاع عن القيم الإنسانية العليا ، وكان دائماً يحدث خلط بينه وبين روائي أمريكي آخر يحمل الاسم نفسه، وكانت الروايات التي يكتبها الكاتب الأمريكي تنسب لتشرشل البريطاني خاصة عند بائعي الكتب رغم أنه لم يكتب غير رواية واحدة .
وأول كتاب منشور لتشرشل كان قوة الميدان في مالكلاند، وهي حول الحملة العسكرية التي قامت بها القوات البريطانية عام 1897 على الحدود الشمالية الغربية، وهي تعد الآن جزء من باكستان وأفغانستان، وكتب سافرولا بعد حملة مالكلاند، وهي العمل الروائي الوحيد له ويعتمد على الرومانسية الخيالية، ويقال إن بعض شخصيات القصة مأخوذة من أفراد عائلته .
وثاني كتاب لتشرشل هو حرب النهر ويعد عملاً تقييمياً لإعادة غزو بريطانيا للسودان، وكتبه خلال عمله ضابطاً في الجيش البريطاني . وكتب أيضاً الحرب العالمية الثانية وتناول فيه الفترة التاريخية عقب الحرب العالمية الأولى وحتى يوليو/ تموز 1945 ، وكتاب أفكار ومغامرات يضم مجموعة من المقالات التي كتبها تشرشل للصحف حول مغامراته وحبه للطيران وتحطم طائرته، كما تناول أيضاً مخاطر التقدم العلمي خاصة النووي ، ولم تتوقف مهارات تشرشل على الأدب فقط ولكنه كان فناناً تشكيلياً أيضاً، فقد كان يشعر بسعادة غامرة عندما يمسك بالفرشاة ويبدأ الرسم .
ورسوماته تتناول الطبيعة وتعكس انطباعاته عنها، ومعظمها رسمها خلال إجازته التي كان يقضيها في مصر أو المغرب، وكان يعتبرها هوايته المفضلة، وقام برسم مئات اللوحات الفنية، وعرض العديد منها في استوديو في منزله بمنتجع تشارتويل، وضمن مجموعات خاصة للفنانين، واستخدم الألوان الزيتية في رسمها، وقام برسم العديد من المناظر الداخلية والبورتريهات، وفي عام 1925 تم اختيار لوحته إشراق شمس الشتاء كأفضل لوحة في حفل أقيم للفنانين الهواة المجهولين، ونال عنها الجائزة، وتعرض أيضاً عديد من لوحاته في متحف دالاس للفنون بالولايات المتحدة الأمريكية .
ووفقاً لما ذكره موقع National Trust، فإن تشرشل رسم خلال تلك العطلة القصيرة 15 لوحة خلال 21 يوماً فقط، ومن بينها كانت لوحة مشهد البحيرة الإيطالية.. أما لوحة شاطئ ولمر Beach at Walmer فهي الأخرى من بين أبرز لوحات تشرشل، وقد بيعت في مزاد كريستي للفنون البريطانية والأيرلندية العلني، بقيمة تجاوزت 350 ألف دولار أمريكي.. وتعرض اللوحة شاطئاً قرب قلعة دوفر في بريطانيا، داخله مدفع قديم يحرس الشاطئ والقلعة.
ووفقاً لما ذكره موقع BBC، فإن تشرشل كان يكره التخلي عن أي من أعماله الفنية، لكنه أهدى هذه اللوحة إلى الجنرال إسماي، أحد أبرز مستشاريه العسكريين في الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد أن وعده مرات عديدة سابقة بإهدائه إحدى لوحاته، ومن بين رسوماته المميزة أيضاً لوحة حوض سمك الزينة، التي بيعت في أحد المزادات بلندن بنحو 2.8 مليون دولار أمريكي، وتمثل اللوحة التي رسمها في العام 1932 حوض السمك الذي كان موجوداً في منزله بمقاطعة كنت جنوب شرقي البلاد.
ووصفت دار سوذبيز اللوحة التي تحمل عنوان “حوض سمك الزينة في تشارتويل” بأنها “بلا شك تحفة أعمال تشرشل من عقد الثلاثينيات” و”نموذج فذ لأعمال الفنان في ذروة تألقه”، ومن بين رسوماته الأخرى أيضاً لوحة الشاطئ بالقرب من مدينة كان، وقد بيعت بـ1.1 مليون دولار، ولوحة المفروشات في قصر بلينهايم، وبيعت أيضاً بـ1.8 مليون دولار.