تقرير / عبير سعيد
مما لا شك فيه أن الكوارث الطبيعية تترك آثاراً كبيرة على الإقتصاد العالمي، وسط خسائر بشرية مذهلة، وأخرى إقتصادية فادحة والتي تحتاج الدول سنوات للتعافي منها،، وتتسبب الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والأعاصير المدارية في أضرار جسيمة، ويبدو أنها ضارة بالإقتصاد أكثر من أي قطاعات أخرى .. وجاء الزلزال الذي ضرب تركيا صباح يوم الإثنين ليسلط الضوء على حجم الخسائر الإقتصادية التاريخية التي يمكن تخلفها الكوارث الطبيعة، ويعتبر أعنف زلزال بتاريخ تركيا، إنتهى بمقتل نحو 33 ألف .. وضرب زلزال بلغت قوته 7.9 درجة جنوب تركيا في ساعة مبكرة من صباح يوم الاثنين، وشعر به سكان سوريا ولبنان والعراق ومصر واليونان وقبرص وأرمينيا، وقد خلف الآلاف من القتلى والجرحى في تركيا وسوريا، إضافة إلى إنهيار عدد كبير من المباني وحصار العشرات تحت الأنقاض، وخروج السكان إلى الشوارع المغطاة بالثلوج، وقد أعلنت السلطات التركية درجة الإنذار الرابعة التي تعني طلب مساعدة دولية، ويساهم الجيش التركي في نقل الفرق الطبية إلى المناطق المنكوبة..
وبحسب آخر حصيلة، فقد تسبب الزلزال المدمر في سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى، جراء الذي وصف بـ “أكبر زلزال تشهده تركيا منذ قرن على الأقل”. وتخشى السلطات من إستمرار إرتفاع حصيلة القتلى جراء الزلزال الذي وقع قبل فجر الإثنين والهزات الارتدادية حيث يبحث رجال الإنقاذ عن ناجين بين تشابك المعدن والخرسانة.
فهناك صرخات أطفال من تحت أنقاض زلزال سوريا وتركيا.. منهم من خرج من رحم أمه ومنهم من لقى حتفه.. وطفل يسأل: “ماذا يحدث؟” ليرد عليه منقذه: “لم يحدث شيء.. أنت بطل”.. “اللَّهمَّ إنِّى أسألُكَ العفوَ والعافيةَ فى الدُّنيا والآخرةِ”… “اللهم لا تبتلينا فى أولادنا ولا ترينا فيهم سوءا”… مشاهد موجعة للقلب… وصرخات لفلذات الأكباد الذين لا حول ولا قوة لهم، إلا من عناية ورحمة المولى عز وجل… ولا يملك أمامها الرجال والنساء إلا الدعاء بالرحمة والمغفرة، وسؤاله العفو والعافية.
لم يتوقف سيل المشاهد المؤلمة على مواقع التواصل منذ وقوع الزلزال المدمر .. ومن بين المقاطع المفجعة عملية انتشال جثث فى بلدة جنديرس السورية الحدودية مع تركيا. وأظهرت المشاهد سوريين مفجوعين بصغارهم وآباء يسمعون استغاثات أفراد عائلاتهم من تحت الركام الناجم عن الزلزال المدمر. وفيما قال أحدهم مستغيثا طالبا المساعدة: “نسمع أصواتا، لا يزالون أحياء لكن ليس هناك من يخرجهم”. وأضاف آخر “انكسر ضهرنا… لا أب ولا أم”. وتداول مستخدمو التواصل الاجتماعي فيديو لرجل سورى، وهو يركض بسرعة وبين ذراعيه طفل رضيع، والذى يبدو عليه أنه حديث الولادة، وكان يركض بسرعة لينقذه من برودة الجو ويبحث عن غطاء له، ولا تمر إلا ساعات قليلة ويتداول مستخدمو التواصل الاجتماعى صورة الرضيع، موضحين أن والدته قد توفيت بعد ولادته وتركته وحيدًا لـ مواجهة العالم، وذلك فى بلدة جندرس شمال غرب حلب فى سوريا. وفى الأثناء، يتصدر كل من الأم والرضيع تريند فيسبوك، حيث انتشر الفيديو بسرعة البرق بين مستخدمى فيسبوك، وحاز الفيديو على تعاطف كبير بين مستخدمى فيس بوك من جميع أنحاء الوطن العربى، معبرين عن حزنهم وأسفهم لهذا الحدث المؤسف الذى تعرضت له سوريا فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بها.
وتفاعل عدد كبير من مستخدمى فيسبوك مع الفيديو، حيث حصد الفيديو على آلاف التعليقات، التى تدعو بالرحمة للأم، وتدعو الله بأن يحفظ الطفل الرضيع وينجيه. و انتشر فيديو لشاب تحت الأنقاض وهو يستغيث لإنقاذه من تحتها، وأيضًا فيديو لأحد الآباء فى سوريا وهو يلقن ولده الشهادة أثناء الزلزال، وغيرها من الفيديوهات التى يتم فيها إنقاذ أطفال من تحت الأنقاض بعد أن رعاهم الله وحفظهم من هذه الفاجعة دون أى ضرر. وبثت وسائل إعلام تركية، مقطع فيديو يوثق تصرفا إنسانيا من أحد رجال الإنقاذ بعد انتشاله طفلا قضى ساعات طويلة محاصرا تحت أنقاض أحد العقارات المنهارة بفعل الزلزال المدمر. وأظهر مقطع الفيديو، لحظة إنقاذ الطفل، الذين تبين أنه بحالة صحية جيدة، على الأقل وفقا للحالة التى شوهد عليها فور إنقاذه. وفى بارقة تبعث على الأمل، تمكنت فرق الدفاع المدنى السورية من إنقاذ عدد من المدنيين بعد مرور ساعات طويلة على احتجازهم تحت الأنقاض. ونشر الدفاع المدنى عبر معرفاته تسجيلًا يوثق سحب طفل ووالدته من تحت أنقاض بناء تحول إلى حطام.
وأظهر التسجيل عملية إخراج الطفل سالما بصحة جيدة ونقله إلى سيارة إسعاف تمهيدا لنقله إلى أحد المشافى للاطمئنان على حالته. وعلق الدفاع على المنشور “لحظات تبعث الأمل خلال إنقاذ طفل ووالدته بعد أكثر من 20 ساعة قضوها تحت الأنقاض فى سرمدا فى ريف إدلب الشمالي”.. وأضاف أن النجاة كُتبت لهم للمرة الثانية بعد تهجيرهم من حمص، مشيرًا إلى أن العائلة فقدت ثلاثة أطفال. وأنقذت فرق البحث فى ولاية غازى عنتاب جنوب تركيا، أما وابنتها من تحت أنقاض المبانى المنهارة بعد مرور 30 ساعة على وقوع الزلزال، وفقًا لوكالة «الأناضول” .. وأشارت الوكالة إلى أنه تم نقل الأم وابنتها إلى مستشفى قريب، إثر إنقاذهما من تحت أنقاض مبنى مكون من 6 طوابق. كما أنقذت الفرق أمًا ورضيعها بعد 29 ساعة قضياها تحت الأنقاض فى ولاية هطاى، بحسب الوكالة.
وفى منطقة نزيب بولاية غازى عنتاب، تم إنقاذ أسرة مكونة من أم و3 أطفال بعد بقائهم 28 ساعة تحت المبنى المدمر.
وانتشل رجال إنقاذ الطفل محمد روزغار ابن الـ 5 سنوات من تحت أنقاض مبنى مدمر فى هاتاى تركيا (وفقا لرويترز). ووثّقت مجموعة من المقاطع المصورة لحظات عصيبة خلال عمليات الإنقاذ، وكشفت كل منها عن قصة مؤلمة لن تمحى من الذاكرة.
ونشر حساب قناة “تى آر تى هابر” (TRT Haber) التركية مقطع فيديو يظهر تمكّن رجال الإنقاذ من انتشال طفل من تحت الأنقاض فى مدينة ملاطية، وفى حين ردد شخص “بسم الله الرحمن الرحيم”، طبع آخر قبلة على خدّ الطفل الناجى من الموت تعبيرا عن سعادته ببقائه حيا. وفى مشهد آخر، وبينما تُسمع أصوات الصراخ والبكاء ونداءات الاستغاثة، حافظت فتاة صغيرة على هدوئها تحت الأنقاض، وكانت تجيب عن أسئلة أحد المسعفين الذى يحاول إنقاذها. ونشر حساب وكالة الأناضول على تويتر مقطع فيديو يوثق عملية إنقاذ الفتاة هوليا إرم إيستر (17 عاما) من تحت الأنقاض بولاية كهرمان مرعش التركية، ويبدو أن الفتاة أصيبت بكسور بليغة، فقد كانت تصرخ وتبكى من الألم الشديد.
ونشرت وسائل إعلام تركية مقاطع فيديو من عملية إنقاذ 4 أشخاص أحياء فى كهرمان مرعش بعد 27 ساعة من الزلزال الذى ضرب تركيا، واحتفى نشطاء ومنصات محلية بالمقاطع المتداولة ووصفوها بـ”البشرى السارة من حطام الزلزال”، و”المعجزة”. كما وثقت وكالة الأناضول عملية إنقاذ فتاة من حطام مبنى سكنى مكون من 7 طوابق بعد 27 ساعة من وقوع الزلزال المدمر. ووثّق ناشطون سوريون استمرار عمليات انتشال الضحايا وإنقاذ العالقين تحت أنقاض المنازل فى بلدات الشمال السورى مع حلول ساعات المساء وسط مناشدات بتوفير معدات إنقاذ ثقيلة. وترصد المشاهد عمليات الإنقاذ الليلى التى تتم فيها إضاءة الركام بوسائل إضاءة بسيطة، وسط المساعى الحثيثة لإنقاذ العالقين وانتشال الضحايا. وبث الدفاع المدنى السوري مقطع فيديو يوثّق عملية إنقاذ طفل ووالدته بعد أكثر من 20 ساعة قضوها تحت الأنقاض فى سرمدا بريف إدلب الشمالى (شمالى سوريا). وحسب الفيديو، فقد ظهر متطوعون يسحبون الطفل من تحت الأنقاض خلال ساعات المساء، وسط تكبير الحاضرين. وتحت زخات المطر، تمكّن فريق الدفاع المدنى السورى من إنقاذ طفلة من تحت الأنقاض، وعائلة حوصرت فى الطابق الثالث من منزلها بعد انهيار أجزاء منه. كما تفاعل رواد منصات التواصل الاجتماعى بألم وحزن كبيرين مع صورة متداولة تظهر وفاة أب سورى إلى جانب ابنه وهما يحتضنان بعضهم، تحت ركام المبانى المنهارة جراء الزلزال المدمر.
وذكر نشطاء سوريون أن الصورة المتداولة تعود لأب سورى وابنه فى مدينة جنديرس بريف حلب (شمالى سوريا)، وفارقا الحياة معا إثر سقوط بناية عليهما، واصفين اللقطة “بالعناق الأخير.
ورغم القصص المأساوية التى خلفها الزلزال المدمر فى كل من سوريا وتركيا، إلا أن هناك مقاطع مصورة تحمل حياة جديدة لأجساد صغيرة غطاها الركام. فقد أظهر مقطع فيديو لحظة انتشال طفلة على قيد الحياة من بين الأنقاض فى منطقة جندريس بريف حلب بعد الزلزال المدمر.
وكان رجال الإنقاذ يحاولون إخراج الصغيرة التى كان جسدها بين الأنقاض، وخاطبها أحدهم وهو يقول لها “يا عمو نور.. حاكى للبابا.. البابا هون”. الأمر الذى تفاعلت معه الطفلة ودفعها لأن تتحرك وتنظر إلى والدها والتراب يغطى وجهها. وأكد مسؤول إقليمى لليونسيف فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عمار عمار، أن زلزال تركيا وسوريا تسبب فى قتل آلاف الأطفال. وأضاف فى تصريحات أن الظروف الجوية الصعبة تعقد مهمة إنقاذ الأطفال والأهالي. كما أوضح أن الاحتياجات الإنسانية بسبب الزلزال كبيرة، مؤكدًا على ضرورة توفر مساندة دولية. وأفاد جيمس إلدر، المتحدث باسم يونيسف فى مؤتمر صحفى فى جنيف، بأن الزلزال والهزات الارتدادية التى أعقبته ودمرت عشرات المبانى فى تركيا وسوريا، ربما أودت بحياة آلاف الأطفال.
وقال أن “الهزات التى ضربت جنوب تركيا وشمال سوريا ربما قتلت آلاف الأطفال”، وفق ما نقلت رويترز. وأضاف أن المنظمة لم تتمكن من تحديد حصيلة القتلى من الأطفال.
وقال مسؤولون كبار من منظمة الصحة العالمية اليوم أن الاحتياجات الإنسانية لسوريا وصلت إلى أعلى مستوياتها بعد الزلزال القوى، الذى أودى بحياة الآلاف هناك وفى جنوب تركيا. وذكرت أديلهيد مارشانج، كبيرة مسؤولى الطوارئ فى المنظمة، أن تركيا لديها قدرة قوية على التعامل مع الأزمة لكن الاحتياجات الأساسية التى لن تُلبى على المدى القريب والمتوسط ستكون فى سوريا التى تعانى بالفعل من أزمة إنسانية منذ سنوات، بسبب الحرب الأهلية وتفشى الكوليرا. كذلك قالت أن نحو 23 مليون شخص، من بينهم 1.4 مليون طفل، من المرجح أن يتعرضوا للخطر فى كلا البلدين بعد الزلزال وتوابعه التى حولت آلاف المبانى إلى أنقاض.
ورصدت منصة ” statistics” في تقرير حديث، أعنف الزلازل من حيث الأضرار الإقتصادية في جميع أنحاء العالم منذ عام 1980 إلى عام 2022. وأشارت المنصة إلى أن الزلزال الذي وقع خارج “توهوكو” في اليابان في عام 2011 تسبب في أكبر ضرر اقتصادي، حيث وقعت كارثة “تسونامي” في أعقاب الزلزال الذي أصاب المفاعل النووي في “فوكوشيما”، مما أدى إلى كارثة نووية كبرى، وقدرت الخسائر الاقتصادية بـ 210 مليارات دولار. وذكرت ” statistics” أن الزلزال الذي تسبب في ثاني أعلى مجموع من الأضرار الاقتصادية كان في اليابان أيضا في يناير عام 1995 وقدرت الخسائر بـ100 مليار دولار. وبعد اليابان جاء زلزال سيشوان في الصين في عام 2008، بخسائر إقتصادية قدرت بـ 85 مليار دولار. وتسبب الزلزال الذي ضرب مدينة لوس أنجلوس الأميركية عام 1994 بخسائر قدرت بـ 44 مليار دولار، فيما جاء الزلزال الذي ضرب اليابان عام 2016 كخامس أعنف زلزال من حيث الخسائر الإقتصادية بمقدار 32 مليار دولار. وبالنظر إلى الزلازل التي تسببت في أكبر عدد من الوفيات منذ عام 1900، سجل زلزال تانغشان في الصين في عام 1976 أعلى نسبة عدد القتلى بمقدار 242 ألف حالة وفاة، ثم زلزال هايتي عام 2010 بأكثر من 222 ألف وفاة .. وبالنسبة لزلزال تركيا فلم يتحدد بعد حجم الخسائر الإقتصادية أو البشرية أو أكثر القطاعات المتأثرة، بينما لا يزال يجري إحصاء عدد القتلى والمصابين في الزلزال الذي وقع جنوب شرقي البلاد .. وتواجه تركيا أحد أكبر 20 اقتصادا عالميا- كارثة طبيعية، تكررت للمرة الثانية في غضون 24 عاما، حيث كان أسوأ زلزال تعرضت له تركيا قبل هذا الزلزال البالغ قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، إلى عام 1999 بأكثر من 7.9 درجة على مقياس ريختر .. واقترب مركز الزلزال في تركيا هذه المرة، من إحدى عواصم الإنتاج والصناعة الرئيسية في البلاد، وهي مدينة غازي عنتاب، التي اقتربت لتكون العاصمة الصناعية لتركيا، بسبب آلاف المصانع المقامة هناك .. وبحسب بيانات تركية رسمية، فقد توقف الإنتاج على نحو واسع في مدينة غازي عنتاب تخوفا من حدوث هزات ارتدادية خلال الساعات القادمة .. كما يمكن لقطاع السياحة في تركيا أن يتأثر خلال فترة قصيرة الأمد لا تتعدى أسابيع قليلة، لحين استعادة الثقة وعودة استقرار الحياة الاقتصادية في عموم البلاد، إلا أن مناطق جنوب شرقي تركيا التي شهدت الزلزال، تعتبر من أقل المناطق جذبا للسياح .. وقالت إدارة الطوارئ التركية، إن الزلزال دمر نحو 2824 مبنى، وأعلن نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، أن المدارس والمساكن الجامعية لم تتضرر، فيما أعلن تعطيل المدارس في 10 ولايات لمدة أسبوع بسبب الزلزال، وأضاف أنه تم إرسال وتشغيل 102 محطة بث متنقلة للهواتف المحمولة إلى المناطق المتأثرة بالزلزال، موضحا أنه تم إغلاق مطار هطاي وتوقيف حركة الطيران المدني في ولايتي قهرمان مرعش وعنتاب، كما أشار إلى أن الجهات المعنية قامت بوقف إمداد مناطق عدة بالغاز الطبيعي بسبب الزلزال.