نظرية تغير المناخ وأثاره السلبية على حياتنا


بقلم / ا. د. محمود محمد علي

هناك قول أن لكل سنة عجيبة ، ولكن ما عجيبة 2022 ؟.. هل كانت جائحة كورونا ؟.. لا ؟.. هذه كانت منذ نهاية 2019؟.. ومار أيكم في تغير المناخ في عام 2022؟.. فقد بدا جليا للجميع ، فمن كان يصدق أمطارا عزيرة في منتصف الصيف في المملكة العربية السعودية ؟… أو حتى ثلوجا في الإسكندرية؟.. أو منطقة قطبية يجتاح منطقة الهلال الخصيب ؟.. بينما السماء مشمسة ربيعيا في سماء مدينة لندن؟.. إن كنت في دهشة مما أقول فنعم لك ذلك فإن هذا عجيب غريب ؟.. وإن جلست إلى كبراء الأرصاد الجوية وعلماء المناخ فسيقولون لك إنها فقط البداية في تغير المناخ ، ولهذا فإن تغيرالمناخ أصبح واقعا ملموسا والظروف الجوية القاسية أصبحت أيضا أمرا معتادا في حياتنا اليومية ، فما هو تغير المناخ؟
يقصد بتغير المناخ التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس ، فقد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث على سبيل المثال من خلال تغيرات في الدورة الشمسية ، ولكن منذ القرن 19 أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسة لتغير المناخ ، ويرجع ذلك أساسا إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز ، فالانبعاثات الغازات الدفيئة تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية ، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة ، ومن هذه الغازات : ثاني أكسيد الكاربون والميسان ، وكما تعرفون فهي غازات تنبعث من السيارات ،أو المحروقات المستخدمة في تدفئة المباني.
ويحدث التغير المناخي عندما تؤدي التغييرات في نظام مناخ الأرض إلى ظهور أنماط مناخية جديدة تظل قائمة لفترة طويلة من الزمن وهذه الفترة الزمنية قد تكون قصيرة فتصل إلى عدة عقود فقط أو قد تصل إلى ملايين السنين. وقد حدد العلماء العديد من نوبات تغير المناخ خلال تاريخ الكرة الأرضية الجيولوجي، وفي الآونة الأخيرة، ومنذ الثورة الصناعية، يتأثر المناخ بشكل متزايد بسبب الأنشطة البشرية التي تقود إلى الاحتباس الحراري ولذلك من الشائع استخدام المصطلحين كمترادفين في هذا السياق.
والتغير المناخي يحدث بسبب رفع النشاط البشري لنسب غازات الدفيئة في الغلاف الجوي الذي بات يحبس المزيد من الحرارة، وعلى أوسع نطاق، يحدد معدل تلقي الطاقة من الشمس والمعدل الذي تُفقد فيه الطاقة إلى الفضاء درجة حرارة الأرض ومناخها. وتوزع هذه الطاقة في جميع أنحاء العالم عن طريق الرياح والتيارات المحيطية وآليات أخرى لتؤثر على مناخات المناطق المختلفة.
إن العوامل التي من شانها تشكيل المناخ تسمى التأثيرات المناخية أو “آليات التأثير”، من ضمنها عمليات مثل التفاوتات في إشعاع الشمس وفي مدار الأرض وفي الوضاءة أو انعكاسية القارات والغلاف والمحيطات وتكون الجبال وتغييرات في تركيزات غازات الدفيئة. هناك مجموعة متنوعة من ردود الفعل لتغير المناخ التي يمكن أن تضخم من التأثير الأولي أو تقلله. وتستجيب بعض أجزاء النظام المناخي، مثل المحيطات والقمم الجليدية، ببطء أكثر في رد الفعل على التأثيرات المناخية، بينما تستجيب أجزاء أخرى بسرعة أكبر. وهناك أيضًا عتبة بيئية أساسية التي إذا تم تخطيها ستنتج عن تغير سريع.
يمكن أن يحدث تغير المناخ إما بسبب التأثير الخارجي أو بسبب العمليات الداخلية. غالبًا ما تنطوي السهلة الداخلية على تغييرات في توزيع الطاقة في المحيطات والغلاف الجوي، على سبيل المثال تغييرات في الدورة الحرارية الملحية. وبالنسبة لآليات التأثير الخارجي، فقد تكون إما اصطناعية (مثل زيادة انبعاثات غازات الدفيئة والغبار) أو طبيعية (مثل التغيرات في إنتاج الطاقة الشمسية أو مدار الأرض أو الانفجارات البركانية).
وقد تكون استجابة النظام المناخي لتأثير المناخ سريعة (مثل التبريد المفاجئ بسبب الرماد البركاني المحمول جوًا يعكس أشعة الشمس) أو بطيئًا (مثل التمدد الحراري لارتفاع حرارة مياه المحيط) أو يجمع بين الاثنين (مثل فقدان مفاجئ للوضاءة في المحيط المتجمد الشمالي مع ذوبان الجليد البحري والتي تليها التوسع الحراري التدريجي للمياه). وبالتالي، يمكن أن يتسجيب نظام المناخ بصورة مفاجأة، لكن قد لا يتم تطوير الاستجابة الكاملة لآليات التأثير بشكل كامل لعدة قرون أو حتى لفترة أطول.
ولفهم أوضح لمدى أزمة المناخ المحتملة وما يجب القيام به لمعالجتها بشكل فعال. العلم موجود ويظهر بوضوح الحاجة الملحة التي يجب أن نتصرف بها فيما يتعلق بالتخفيض السريع لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، واتخاذ الخطوات اللازمة لمساعدة أولئك الذين يحتاجون إلى الدعم للتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ.
ورغم أن العالم يواجه منذ سنوات تقلبات مناخية بسبب أزمة “الاحتباس الحراري” التي تعاني منها الكرة الأرضية نتيجة الثورة الصناعية، والتي زادت من انبعاثات الغازات الضارة في الغلاف الجوي، إلا أن تداعيات وانعكاسات تلك الأزمة في تزايد مستمر، ما بات يُهدد استدامة الثروات الطبيعية لاسيما غير المُتجدد منها، وكذلك مستقبل معظم الكائنات الحية على سطح الأرض بسبب الكوارث الطبيعية وانتشار الأمراض والأوبئة الناتجة عنها. في هذا السياق، أصدرت لجنة المناخ التابعة للأمم المتحدة تقريرًا فى 9 أغسطس 2021 أكدت فيه أن مستويات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي باتت مرتفعة للحد الذي سيؤدي إلى اضطراب المناخ لعقود إن لم يكن لقرون قادمة.
وتشكّل الطوارئ المناخية تهديدًا كبيرًا على صحة الإنسان، وخصوصًا في المناطق التي يعاني فيها الناس أساسًا من صعوبة الحصول على الرعاية الصحية الأساسية أو المناطق المحرومة منها.
كما يشكل تغير المناخ تهديداً مباشراً لقدرة الطفل على البقاء والنماء والازدهار، وقد أخذت الظواهر الجوية القصوى، من قبيل الأعاصير وموجات الحر، تتزايد في تواترها وشدتها، وهي تهدد حياة الأطفال وتدمر الهياكل الأساسية الحيوية لعافيتهم، كما تتسبب الفيضانات بإضعاف مرافق المياه والصرف الصحي، مما يقود إلى انتشار أمراض من قبيل الكوليرا، وهي تمثل خطراً داهماً على الأطفال بصفة خاصة.
ويؤدي الجفاف والتغيّر العالمي في نسق سقوط الأمطار إلى فشل المحاصيل وزيادة أسعار الأغذية، مما يعني انعدام الأمن الغذائي والحرمان من الأغذية للفقراء، وهذا قد يؤدي إلى تأثيرات تمتد مدى الحياة، إضافة إلى تدمير سبل العيش، وزيادة الهجرة والنزاعات، وكبح الفرص للأطفال واليافعين.
والأطفال هم الأكثر عرضة للأمراض التي ستزداد انتشاراً نتيجةً لتغير المناخ، من قبيل الملاريا وحمى الضنك. ويتحمل الأطفال دون سن الخامسة قرابة 90 في المئة من عبء الأمراض التي يمكن عزوها إلى تغير المناخ.
وقد أعلنت الأمم المتحدة عن إطلاق حملة “اعملوا الآن”، الرامية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والعناية بكوكب الأرض، وذلك مع تزايد الكوارث الطبيعية التي تشهدها مناطق مختلفة من العالم، مثل فيضانات ألمانيا وحرائق الغابات في كندا والولايات المتحدة.
وأشارت الحملة إلى أنه من أجل الحفاظ على مناخ صالح للعيش، يجب خفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى صفر بحلول عام 2050، وبيّنت أن التغييرات الكبيرة يجب أن تتم في هذا المجال من جانب الحكومات والشركات، لافتة إلى أن الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون غير ممكن دون مشاركة المواطنين، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة، وأضافت الحملة: “يمكن لكل فرد منا المساعدة في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والعناية بكوكبنا، من خلال تغيير عاداتنا واتخاذ خيارات ذات تأثيرات أقل ضررا على البيئة، ولدينا القدرة على مواجهة تحديات المناخ وبناء عالم أكثر استدامة”.
والسؤال الآن : من المسؤول عن تغير المناخ؟
في تقرير عن تأثير التغيرات المناخية على البشرية، قالت وكالة “فرانس برس”، إن نحو 166 مليون شخص في إفريقيا وأميركا الوسطى، احتاجوا إلى المساعدة بين عامي 2015 و2019 بسبب حالات الطوارئ الغذائية المرتبطة بتغير المناخ.
كذلك فإن هناك ما بين 8 و80 مليون شخص، أكثر عرضة لخطر المجاعة بحلول عام 2050، وفيما يتعلق بسوء التغذية، فهناك نحو 1.4 مليون طفل سيعانون من التقزم الشديد في إفريقيا بسبب المناخ في 2050، وانخفضت المحاصيل الزراعية بنسبة تتراوح بين 4 و10 في المئة على الصعيد العالمي خلال الثلاثين سنة الفائتة، وتراجعت كميات صيد الأسماك في المناطق الاستوائية بمعدل يتراوح بين 40 و70 في المئة، بظل ارتفاع الانبعاثات، وهناك 2.25 مليار شخص إضافي معرضون لخطر الإصابة بحمى الضنك في آسيا وإفريقيا وأوروبا، في ظل سيناريوهات الانبعاثات العالية المفزعة.
د. محمود محمد علي
أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل –جامعة أسيوط
المراجع:
1-قناة سكاي نيوز: تغير المناخ.. آثار مرعبة تهدد البشرية، l 18 يوليو 2021 – 17:56 بتوقيت أبوظبي، وكالات – أبوظبي.
2- مكافحة تغير المناخ: من أين تبدأ؟ | بتوقيت برلين.. يوتيوب.
3- تغير المناخ كارثة قد تكون قاضية على البشرية.. يوتيوب.
4-قناة العربية: الأزمة المناخية: أزمة صحية وإنسانية، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.