بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من الأسباب التي تَبث محبة الله تعالى في النفوس، هو معرفة العبد، أن الله تعالى أهل بصفاته وأسمائه فهو الغني الكريم، الذي له الكمال من كل صفة واسم مما يوجب محبته تعالى، ومعرفة العبد أن الله تعالى شرع لعباده الدين والأحكام التي تدلهم وترشدهم إلى كيفية عبادته، ولم يتركهم بلا شريعة ولا منهج، ومعرفة العبد أن الله تعالى جعل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل، وأيده بأفضل الكتب ناسخا ومهيمنا على غيره، وجعل أمته خير الأمم، وقيل أنه طلب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أهل حمص أن يكتبوا له أسماء الفقراء والمساكين بحمص، ليعطيهم نصيبهم من بيت مال المسلمين.
وعندما وردت الأسماء للخليفة فوجيء بوجود اسم حاكم حمص سعيد بن عامر، موجود بين أسماء الفقراء، وعندها تعجب الخليفة من أن يكون واليا لحمص ومن فقرائها فسأل أهل حمص عن سبب فقره، فأجابوه أنه ينفق جميع راتبه على الفقراء و المساكين و يقول ماذا أفعل وقد أصبحت مسؤولا عنهم أمام الله تعالى؟ وعندما سألهم الخليفة هل تعيبون شيئا عليه؟ أجابوا نعيب عليه ثلاثا فهو لا يخرج إلينا إلا وقت الضحى، ولا نراه ليلا أبدا ويحتجب علينا يوما في الاسبوع وعندما سأل الخليفة سعيد عن هذه العيوب أجابه هذا حق يا أمير المؤمنين، أما الأسباب وهي أني لا أخرج إلا وقت الضحى ؟ لأني لا أخرج إلا بعد أن أفرغ من حاجة أهلي وخدمتهم.
فأنا لا خادم لي و امرأتي مريضة، وأما احتجابي عنهم ليلا، لأني جعلت النهار لقضاء حوائجهم والليل جعلته لعبادة ربي، وأما احتجابي يوما في الاسبوع لأني أغسل فيه ثوبي و أنتظره ليجف لأني لا أملك ثوبا غيره، فبكى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فكانت هذه هي مدرسه النبي صل الله عليه وسلم ربت جيل يخاف الله ويراقبه في كل افعاله، وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقَت عمر امرأة شابة، فقالت يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغارا، والله ما ينضجون كراعا، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضّبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري.
وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر ولم يمضي، ثم قال مرحبا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما، وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثم ناولها بخطامه، ثم قال اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل يا أمير المؤمنين، أكثرت لها؟ قال عمر ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها، قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه” وإن الله عز وجل تعبدنا بالآداب، وجعل عليها ثوابا عظيما، فإنها إن كانت تربط بين الناس وتجعل علاقاتهم حسنى، فهي في الآخرة أعظم وأجزل ثوابا، وهي سبب في دخول الجنة، فسبحانه وتعالي يقول ” فإن الله لا يضيع أجر المحسنين”