بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي شمل بخلقه ورحمته ورزقه القريب والبعيد، سبحانه وتعالي “وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين” وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله هو أفضل النبيين والمؤيد بالآيات البينات والحجج الواضحات والبراهين صلى اله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد إن هناك نماذج يسيرة من حال السلف الصالح في شهر رمضان، فيقول الله تعالي عن أصحاب المصطفي صلي الله عليه وسلم ” كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون ” ويقول تعالي ” تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ” فهذا هو دأبهم السنة كلها فأين نحن من هؤلاء الأفذاذ كانوا رهبنا بالليل فرسانا بالنهار.
فيقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه “والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وما أرى اليوم شيئا يشبههم، كانوا يصبحون شعثا غبرا صفرا قد باتوا لله سجدا وقياما، يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، وكانوا إذا ذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، وكأن القوم باتوا غافلين ” وقيل كان سعيد بن المسيب رحمه الله إذا دخل الليل خاطب نفسه قائلا قومي يا مأوى كل شر والله لأدعنك تزحفين زحف البعير فكان إذا أصبح وقدماه منتفختان يقول لنفسه بذا أمرت ولذا خلقت، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى “إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل، كبلتك خطيئتك” وقال أبو يزيد المعّنى كان سفيان الثوري رحمه الله إذا أصبح مدّ رجليه إلى الحائط ورأسه إلى الأرض.
كي يرجع الدم إلى مكانه من قيام الليل، وكان أحد الصالحين يصلي حتى تتورم قدماه فيضربها ويقول يا أمّارة بالسوء ما خلقتي إلا للعبادة، وقال معمر صلى إلى جنبي سليمان التميمي رحمه الله بعد العشاء الآخرة فسمعته يقرأ في صلاته ” تبارك الذي بيده الملك وهو علي كل شيء قدير ” حتى أتى على هذه الآية ” فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ” فجعل يرددها حتى خف أهل المسجد وانصرفوا، ثم خرجت إلى بيتي فما رجعت إلى المسجد لأؤذن الفجر فإذا سليمان التميمي في مكانه كما تركته البارحة وهو واقف يردد هذه الآية لم يجاوزها ” فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ” وكان العبد الصالح عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله يفرش له فراشه لينام عليه بالليل، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول ما ألينك ولكن فراش الجنة ألين منك.
ثم يقوم إلى صلاته، وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الزاهد العابد إمام أهل السنة إذا دخل شهر رمضان دخل المسجد ومكث فيه يستغفر ويسبح وكلما انتقض وضوءه عاد فجدد وضوءه فلا يعود لبيته إلا لأمر ضروري من أكل أو شرب أو نوم هكذا حتى ينسلخ شهر رمضان ثم يقول للناس هذا هو الشهر المكفر فلا نريد أن نلحق به الأشهر الأخرى في المعاصي والخطايا والذنوب، وقيل صلى سيد التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله الفجر خمسين سنة بوضوء العشاء وكان يسرد الصوم، وقال ثابت البناني رحمه الله ” لا يسمى عابد أبدا عابدا، وإن كان فيه كل خصلة خير حتى تكون فيه هاتان الخصلتان، الصوم والصلاة، لأنهما من لحمه ودمه” وكان الامام أبو حنيفة رحمه الله يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة وفي رمضان كل يوم مرتين مرة في الليل ومرة في النهار.
وكان قتادة بن دعامة يختم القرآن في كل سبع مرة فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة، وكان الإمام الشافعي رحمه الله يختم في رمضان ستسن ختمه ما منها شيء إلا في الصلاة .