بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد، لقد ذهب عصر الأمانة وظهر عصر الخيانة، فمن خان الأمانة فهو منافق، ومن أدى الأمانة فهو مؤمن، وإلا دخل في النفاق أو الشرك، والأمانة تقع على الطاعة والعبادة، فكل مطيع لله تعالي فاعلا لأوامره مبتعدا ومجتنبا لنواهيه فهو أمين، والأمانة عبادة فكل من أدى العبادات على قدر طاقته وإستطاعته من طهارة وصلاة وصيام ونحو ذلك من عبادات فهو أمين، فمن لم يؤدها فهو خائن، والثقة، فالأمانة تطلق على الثقة، ففاقد الثقة ليس بأمين، وتطلق أيضا على الوديعة.
والوديعة هي التي يجعلها عندك إنسان أمانة فمن أكل منها شيئا أو جحدها فهو خائن، وتطلق الأمانة على الأمان، والأمان فبعض الناس يعطيك الأمان فإن لم يوف به فهو خائن، فقد ذهب عصر الأمانة، وظهر عصر الخيانة، فكيف نطمع يا عباد الله في هذا العصر بدخول الجنة ولم نضمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ستا من الخصال طلبت منا منها الأمانة؟ فخائن الأمانة لا دين له، ولا إيمان له، وإياكم يا عباد الله كبارا وصغارا، شبابا وشيوخا، يا من تجلسون في مجالس تجمعكم، وفي أماكن تضمكم، إياكم وإفشاء سر المجالس فإنه خيانة، ويعني إذا حدث الرجل أو المرأة ثم التفت وهو يحدث يلتفت يمينا وشمالا متحرزا وممتنعا ممن يقرب من السماع لكلامه، فمن الخيانة أن يقوم بإخراجه خارج المجلس والتحدث به.
فهي أي المقالة التي حدث بها هي أمانة، فلا يجوز إفشاؤها فإن التفاته قرينة على إرادته أن لا يطلع عليها أحد، وفيه العمل بالقرائن، فلا تخونوا المجالس يا عباد الله، وإن إهدار المال العام فإنه يتمثل في صور كثيرة من سوء إستخدام صلاحيات البعض، ومن عدم مراقبة الله تعالى فيما يعمل وفيما يأخذ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من إستعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول “رواه أبو داود، ولقد سمّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوظائف أمانات، ونصح الضعفاء عن طلبها والتعرض لها، فقد سأله أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أن يستعمله فضرب بيده على منكبه، وقال ” يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها ” رواه مسلم.
فاتقوا الله تعالى وأدوا الأمانة التي حملتموها وتحملتم مسؤوليتها، وأدوا الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، وأدوا الأمانة فإنكم عنها مسؤولون، وعلى حسب القيام بها والتفريط بها محاسبون، فإما مغتبطون بأدائها مسرورون، وإما نادمون في إضاعتها خاسرون، وأدوا الأمانة فيما بينكم وبين الله تعالي، وأدوها فيما بينكم وبين عباد الله عز وجل، وإن من الأخطاء التي يرتكبها بعض المربين في تربيتهم لأولادهم هو الدفاع عن الولد بحضرته، كأن تدافع الأم عن ولدها عندما يلومه أبوه وتقول هو أفضل من غيره، وهذا الكلام لا يصلح عندما يكون الولد يسمعه.