بقلم / د. محمود محمد علي
في “مجتمع الاستعراض الذي نعيشه اليوم تم” استُبدل الوجود بالظهور، وبكلمات أخرى، بات الكثيرون يقيسون وجودهم ودورهم في الحياة ونجاحهم في عملهم أو علاقاتهم أو زواجهم أو في تربية أبنائهم بعدد مرات ظهورهم وظهور صورهم أو منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدد الإعجابات التي يحصدونها من متابعيهم، لذلك تراهم يتبعون أي موجة تحدث، فتجد لهم في كلّ “trend” اسماً ورأياً ونقاشاً.
وقبل عدة سنوات انتشرت في أكثر من بلد أوروبي لوحات تحذيرية لها معنى عميق مكتوب فيها «stop making stupid people famous»، والمعنى يقول «توقف عن جعل الناس الأغبياء مشهورين»، وهو معنى لا يحتاج إلى تفسير ولا لبس فيه ولا غموض، العبارة باختصار تدعو إلى التوقف عن الدفع بالتافهين، ومن يروّجون للتفاهة أو يصنعونها أو يحرّضون عليها إلى الواجهة، واجهة العمل الاجتماعي، والسياسي، والإعلامي، والثقافي، والحقوقي، والمجتمعي، في كل المجالات دون استثناء، إلى درجة أننا لم نعد نعرف لهذه الألقاب والصفات أي معنى أو مدلول..!
وفي هذا السياق يمكن التذكير بالقائمة التي أعدها المفكر «نعوم تشومسكي» واختزل فيها الطرق التب تستعملها وسائل الإعلام العالمية للسيطرة على الشعوب اختزلها في 10 استراتيجيات أساسية، من أخطرها تشجيع الناس على استحسان التفاهة والرداءة والقبول بها والسماح بتوسيع نطاقها وإقناع الناس بأنهم يواكبون التطور، والهدف أن يسيروا رعاعًا كالقطيع نحو كل ما هو تافه ورديء!، كلام جدير بالتأمل والتفكر.
في كتاب عنوانه «جعلوني تافهًا» ركز مؤلفه مازن أشرف على ما أسماه تشريد سمعة التفاهة، ودعم كل خطوة يراد منها الانتصار على التفاهة، ويستعرض قصص بعض التافهين ممن توغلوا في مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص موقع فيس بوك، منهم من يعيشون دور الوطنيين ويهتفون في صفحاتهم بالوطنية، ومنهم من يتحرش بعقول الناس ويهينهم، ومنهم من يستخف بهم فكريًا، ومنهم من يفتي في شؤون الدين بفتاوى غريبة ليس لها علاقة بأي دين من الأديان السماوية، يحلل ويحرّم كل شيء كيفما شاء، يتزينون بالزي الديني الخارجي قبل اهتمامهم بتزيين قلوبهم بعطر الدين الداخلي، ويخلص إلى ضرورة مواجهة كل أنواع وأشكال ومصادر التفاهات وعدم التهاون والصلح مع التافهين.