بقلم / عبير مدين
سنوات عديدة يعرض فيها على شاشة التلفزيون فيلم التجربة الدنماركية ونحن نضحك نضحك على الفساد وعلى أنفسنا من خلال أحداث الفيلم بالأمس تذكرت كم من ثورة قامت للقضاء على الفساد ومن أجل الإصلاح الاقتصادي الذي يرفع من مستوى معيشة المواطن مرت أعوام والعالم في حلبة سباق التطور و النمو الاقتصادي اقتصاديات عديدة كنا نسبقها سبقتنا بلاد كانت قابعة تحت الاحتلال اليوم أصبحت تتسيد العالم الصين، الهند، كوريا، اليابان، المانيا وغيرها من الدول التى مرت بظروف دمرت كل جميل فيها وبالعزيمة والتخطيط الجيد غيرت مسارها و تحولت إلى الريادة.
اليوم اقدم لكم نموذج تجربة ربما لا يعرفها الكثيرون دولة صعدت من قاع المستنقعات إلى أقوى اقتصاديات العالم
إنها التجربة السنغافورية
كانت سنغافورة مجرد جزيرة صغيرة يملأها البعوض ، هكذا أسس لي كوان يو سنغافورة التي نعرفها اليوم.
لم تكن سنغافورة أكثر من مستعمرة بريطانية فقيرة ، أصبح لي كوان يو وزيرا فيهاعام 1959 بعد إنتخابات ديمقراطية، إنضمت سنغافورة إلى الإتحاد الماليزي عام 1963 عقب الإستقلال عن بريطانيا ، لكن بعد سنتين قررت ماليزيا التخلي عنها، و أصبحت بذلك سنغافورة دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع.
كانت لحظة بكى فيها لي كوان يو على شاشة التلفزيون على مرأى من العالم أجمع ، فماذا يفعل ببلاد فقيرة تغمرها المستنقعات و يملؤها البعوض، مساحتها لا تتجاوز 720 كيلومترا مربعا ، ولا يجمع شعبها لغة أو قومية أو تاريخ مشترك وفوق كل ذلك لا نفط فيها ولا ذهب للبيع.
وكما تقول الحكمة المصائب قد تجلب العجائب.
قبل لي كوان يو التحدي ومعه فريق من أفضل الخبراء بحكومته، وضعوا خطة للنهوض بالبلاد عبر جذب الإستثمارات الأجنبية و دفع السنغافوريين للتعلم و صرف النظر عن السياسة تماما، فالوقت آنذاك كان وقت العمل فقط.
إستطاعت سنغافورة دخول صناعة بناء السفن ،هندسة المعادن ، البتروكيماويات والأدوات الكهربائية ، وإستثمرت بها كبرى الشركات العالمية مثل شل و إيسو،وبحلول التسعينات أصبحت ثالث أكبر مركز لتكرير النفط في العالم و ثالث أكبر مركز لتجارة النفط بعد نيويورك ولندن، وتصدرت العالم في إنتاج البتروكيماويات وأصبح ميناء سنغافورة من أكثر موانئ العالم إزدحاما.
في تلك الأثناء كان عموم الشعب متعلما و يتحدث الإنجليزية التي أصبحت لغة رسمية للبلاد، وبينما كانت سنغافورة تتفوق إقتصاديا، إستطاعت حل مشكلة المنازل العشوائية بتخصيص الأراضي وتسليمها إلى القطاع الخاص مقابل تقديم خدمات راقية للسكان، ومن هنا إمتلك 85%من السنغافوريون منازلهم الخاصة.
إنخفض معدل البطالة إلى 3% عام 1980، وإرتفع الناتج المحلي الإجمالي من سبعة مليارات عام 1960 إلى 360 مليارا عام 2016 كما إرتفع دخل الفرد من 435دولارا إلى 80 ألف دولار سنويا في الفترة نفسها.
تعرض لي كوان يو لإنتقادات تتعلق بنظام حكمه الذي أداره بشكل مباشر طيلة 30 عاما بدأت عام 1960 وإنتهى بتخليه عن السياسة طوعا عام 1990.
ربما لم يكن زعيما ديمقراطيا مثاليا ، لكنه رغم ذلك زعيم مجتهد نهض بسنغافورة وحولها من مستنقع فقير إلى مركز مالي عالمي تكتظ فيها ناطحات السحاب و ينعدم الفساد بين مؤسساتها إلى حد كبير و جواز سفرها يتربع مع ألمانيا في المرتبة الأولى عالميا لعام 2017، كما أن ناتجها الإجمالي يعادل الناتج المحلي لماليزيا التي تخلت عنها رغم أن ماليزيا تفوقها مساحة ب 450 ضعفا.
لي كوان يو يتذكره السنغافوريون بلقب الوزير المعلم أو المعلم الأعلى وعندما مات عام 2015 سجل له التاريخ تركة ثمينة ، سمعة طيبة و بلادا غنية تعد واحدة من أقوى اقتصاديات العالم
ظروفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية افضل
لدينا العديد من مقومات
ما أخشاه أن نكتفي بمشاهدة التجربة الدنماركية والضحك.