دكتور نادر الصيرفي المحامي والباحث المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين
ينعقد الاختصاص المحلي وفقاً لقانون المرافعات المدنية لمحكمة موطن المدعى عليه. وقد نصت المادة 49 بالفصل الرابع من هذا القانون تحت عنوان ” الاختصاص المحلي ” أنه : “يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه مالم ينص القانون على خلاف ذلك.. فإن لم يكن للمدعي موطن في الجمهورية يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها محل اقامته. وإذا تعدد المدعى عليهم كان الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم” .
ويعرف الموطن طبقاً للمادة رقم 40 من القانون المدني 131 لسنة 1948 بأنه “(1) الموطن هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة . (2) ويجوز أن يكون للشخص الواحد أكثر من موطن. كما يجوز ألا يكون له موطن ما “.
ويعد القانون رقم 1 لسنة 2000 قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الشريعة الإجرائية للقانون رقم 10 لسنة 2004 بإصدار قانون إنشاء محاكم الأسرة. وعملاً بنص المادة رقم 13 من القانون الأخير، يتبع أمام محاكم الأسرة ودوائرها الاستئنافية القواعد والإجراءات المقررة في هذا القانون، وفي قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية.
بيد أنه يثور التساؤل بشأن تحديد المحكمة المختصة محلياً بنظر أول دعوى بين الزوجين في ضوء المادة رقم 12 من القانون رقم 10 لسنة 2024 التي تنص على أنه : “تكون محكمة الأسرة المختصة محلياً بنظر أول دعوى ترفع إليها من أحد الزوجين مختصة محلياً، دون غيرها، بنظر جميع الدعاوى التي ترفع بعد ذلك من أيهما”.. ” فهل ينعقد الاختصاص المحلي بنظر أول دعوى إلى أي محكمة أسرة داخل الجمهورية أم أنه يتوجب على المتقاضين الإلتزام بقواعد الاختصاص المحلي المنصوص عليها بالمادة 15 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ؟
وبمعنى آخر ، هل ينعقد الاختصاص المحلي بنظر أول دعوى بين الزوجين إلى محكمة أسرة موطن أو محل إقامة أيهما وتكون هذه المحكمة هي المختصة بنظر أي دعوى تالية للدعوى الأولى أم أنه يجوز الدفع أمام هذه المحكمة بعدم الاختصاص المحلي ؟.
وباستقراء نص المادة رقم 12 من قانون الأسرة، سالفة البيان يتبين أن المشرع لم ينص على أن الاختصاص المحلي ينعقد للمحكمة التي ترفع إليها أول دعوى بين الزوجين أو أن المحكمة التي ترفع إليها أول دعوى بين الزوجين تكون هي المحكمة المختصة محلياً، بل أن المحكمة المختصة محلياً بنظر أول دعوى تكون مختصة محلياً بنظر الدعاوى اللاحقة لها. ويتضح من خلال تكرار المشرع لجملة ” محكمة الأسرة المختصة محلياً ” حيث توجد محكمة الأسرة المختصة محلياً بنظر أول دعوى ومحكمة الأسرة المختصة محلياً بنظر الدعاوى اللاحقة. ولا ينعقد الاختصاص المحلي لهذه المحكمة الأخيرة إلا إذا انعقد الاختصاص المحلي صحيحاً للمحكمة التي نظرت الدعوى الأولى.
وهذا يبين بمفهوم المخالفة ، أن المحكمة التي ترفع إليها أول دعوى قد لا تكون مختصة محلياً وبالتالي فلا ينعقد لها الاختصاص بنظرها ولو كانت هي المحكمة التي رفعت إليها أول دعوى. وهذه مسألة بديهية ، لأنه من المتصور أن يبادر الزوج كيداً في الزوجة برفع أول دعوى – كدعوى رؤية الصغار مثلاً – أمام محكمة أسرة تقع في محافظة أخرى مغايرة لمحكمة موطن أو محل إقامة زوجته وتكون هذه المحكمة منبتة الصلة بعناصر النزاع، كمكان مسكن الزوجية أو دائرة دخل الزوج أو محل مدرسة الصغار أو علاجهم .. إلخ، ومن غير المتصور أن يلزم القانون هذه الزوجة أن تقوم برفع دعوى نفقة لها أو لصغارها أو مصروفات مدرسية أو اعتراض على إنذار الطاعة أمام تلك المحكمة وتقوم بالسفر عدة مرات لاستخراج محضر جلسة أو إتمام الإعلان أو لقيد الدعوى أو لفتح ملف التسوية أو للاطلاع أو للمرافعة.
علاوة على ذلك فإن المحكمة من وحدة الاختصاص المحلي في دعاوى الأسرة بينها المشرع بالفقرة الأخيرة من ذات المادة رقم 12 من القانون رقم 10 لسنة 2004 بقوله : “وينشأ بقلم كتاب المحكمة المشار إليها ، لدى رفع أول دعوى ، ملف للأسرة تودع فيه أوراق هذه الدعوى وأوراق الدعاوى الأخرى التي ترفع بعد ذلك وتكون متعلقة بذات الأسرة “.
وتحت عنوان الاختصاص المحلي ، ومن المقرر قانوناً وفقاً لنص المادة 15 من القانون رقم 1 لسنة 2000 أنه : ” يتحدد المواطن في مفهوم هذا القانون على النحو المبين بالمواد 40 ، 41 ، 43 من القانوني المدني. وبمراعاة أحكامالمادتين ( 10 ، 11 ) من هذا القانون ينعقد الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه ، فإن لم يكن له موطن في مصر تختص المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي. وإذا تعدد المدعى عليهم، كان الاختصاص للمحكمة التي تقع في دائرتها موطن أحدهم. ومع ذلك يتحدد الاختصاص المحلي بنظر دعاوى الأحوال الشخصية ، على النحو التالي :
تختص المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي أو المدعى عليه بنظر الدعوى المرفوعة من الأولاد أو الزوجة أو الوالدين أو الحاضنة حسب الأحوال، في المواد الاتية:
النفقات والأجدور وما في حكمها .
الحضانة والرؤية والمسائل المتعلقة بها.
المهر والجهاز والدوطة والشبكة وما في حكمها.
التطليق والخلع والإبراء وافرقة بين الزوجين بجميع أسبابها الشرعية.
وبالتوفيق بين نص المادة 15 من القانون رقم 1 لسنة 2000 والمادة 12 من القانون رقم 10 لسنة 2004، نجد أن المشرع قد نظم قواعد الاختصاص المحلي في مسائل الأحوال الشخصية، على النحو التالي :
الأصل في الاختصاص المحلي أنه ينعقد لمحكمة موطن المدعى عليه ( سواء كان المدعى عليه الزوج أو الزوجة )، طالما أن للمدعي عليه موطن أو محل إقامة في الجمهورية.
ولا تقيد المادة رقم 12 من القانون 10 لسنة 2004 نص المادة 15 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ، عملاً بنص المادة 13 من القانون الأول التي تنص على أنه: “يتبع أمام دوائر الأسرة ودوائرها الاستئنافية القواعد والإجراءات المقررة في هذا القانون، وفي قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية المشار إليه، وتطبق فيما لم يرد به نص خاص فيهما أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية…”.
إذا كانت أول دعوى مرفوعة من الزوج يلتزم بقيدها أمام محكمة موطن زوجته استناداً للأصل المقرر بالمادة 15 من القانون رقم 1 لسنة 2000
أما إذا كانت الدعوى الأولى مرفوعة من الزوجة فيكون لها الخيار في قيد أمام محكمة موطنها أو محكمة موطن زوجها على سبيل الاستثناء بشرط أن تكون هذه الدعوى من الدعاوى المنصوص عليها بالقرة رقم 1 من المادة 15 سالفة البيان.
ويترتب على مخالفة القواعد السابقة عدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر أول دعوى ولو كانت هذه الدعوى أول دعوى مرفوعة من أحد الزوجين بشرط ابداء الدفع بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى الأولى من صاحب المصلحة قبل ابداء أي طلب أو دفاع في الدعوى ، عملاً بنص المادة ( 108 مرافعات ) وإلا سقط الحق فيه وتضحى المحكمة مختصة محلياً بنظرها، لأن الدفع بعدم الاختصاص المحلي ليس من النظام العام وبالتالي لا يجوز للقاضي إثارته من تلقاء نفسه.
وأما إذا دفع الزوج أو الزوجة صاحب المصلحة بعدم الاختصاص المحلي قبل التكلم في الموضوع، فيتوجب على المحكمة المبدي أمامها الدفع بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة محلياً وتلتزم المحكمة الأخيرة بنظرها ، تطبيقاً لنص المواد 109 و110 من قانون المرافعات .
العبرة إذا ليس بأولوية رفع الدعوى بل بصحة الاختصاص المحلي طبقاً للقانون الإجرائي لأن المسألة ليست سباق بين المحكمتين.
نوصي المشرع بتعديل نص المادة 12 من القانون رقم 1 لسنة 2000 وذلك باستبدال كلمة ” نظرت ” بكلمة ” فصلت ” . بحيث يكون النص : ” المحكة المختصة محلياً التي فصلت في أول دعوى مرفوعة بين الزوجين تكون مخصة بنظر باقي الدعاوى”.