بقلم / محمـــد الدكـــروري
لما ناصر الأنصار المهاجرين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم ولذراريهم، فقال “اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار” رواه مسلم، ولم يُسد أحد من الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم معروفا إلا ويكافئه عليه، قال صلى الله عليه وسلم “ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة” رواه الترمذي، وأمر صلى الله عليه وسلم بحفظ الوُد لصحابته كلهم بعد مماته، فقال “لا تسبّوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ” جبل أحد ” ذهبا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه” رواه مسلم، ووفاؤه امتد إلى أمته وذلك في الموقف العظيم.
فقال صلى الله عليه وسلم “لكل نبيّ دعوة مستجابة، فتعجل كل نبيّ دعوتَه، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا” رواه مسلم، وهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي علم الأمة كيف يكون الانقياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم واسمعوا إلى موقفه الذي ترجم فيه خُلق الوفاء بالعهد، وهو عندما يرسل إليه أبو عبيدة بن الجراح يستفتيه في فتوى غريبة جدا، ويقول له إن أحد الجنود قد أمّن قرية من بلاد العراق على دمائهم وأموالهم وهي في طريقنا، فماذا نصنع؟ وتأمل هذا الموقف الغريب، وهو جندي لا يُعرف اسمه من جيش المسلمين يعطي الأمان لقرية بأكملها.
وربما هذه القرية إن لم تفتح فقد تكون ثغرة عظيمة يتضرر بها المسلمون كثيرا إذا انقلبت عليهم، فبماذا أجابه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ قال بعد حمد الله والثناء عليه “إن الله تعالى قد عظم الوفاء، ولا تكونون أوفياء حتى تفوا، فأوفوا لهم بعهدهم واستعينوا الله عليهم” فما أبدع هذه العبارة، وما أروعها لمن فهم معناها، فالوفاء كباقي الأخلاق ليس شعارا يرفع في السماء ولا كلمة تطير في الهواء، ولكن الوفاء خلق لن يتحقق إلا إذا أتيت به وتحملت في سبيل إتيانه كل شيء، فبهذه الأخلاق فتح المسلمين بلاد الفرس وبلاد الروم، وإسبانيا وفرنسا وغيرها، ولذلك قيل”ولقد انتصر محمد صلى الله عليه وسلم حين انتصر.
حينما جعل من المصحف نسخا كثيرة، لا أقول مطبوعة في الأوراق، ولكن مزروعة في قلوب الرجال، فتحركوا بهذا القرآن يمشون على الأرض، حتى فتح الله على أيديهم ووصل الدين إلى ما وصل إليه” وعلى هذا الخُلق العظيم من الوفاء سار الصحابة رضي الله عنهم فالنبي صلى الله عليه وسلم لما مات قال أبو بكر للصحابة “من كان له عدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دين فليأتني” قال جابر فأتيته فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي “لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا” فلم يجئ مال البحرين حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فحثَا لي أبو بكر من مال البحرين لما جاءه حثية فعددتها.
فإذا هي خمس مائة، فقال لي “خذ مثليها” متفق عليه، وأنفذ أبو بكر رضي الله عنه جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه على شدة حاجة أبي بكر للجيش بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال “لا أترك أمرا رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصنعه إلا صنعته” والصحابة رضي الله عنهم حفظوا لأبي بكر مكانته وسبقَه للإسلام، فاتفقوا على بيعته خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر أدرك منزلة عمر التي أنزلها إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يقول “جئت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر” فعهِد أبو بكرٍ بالخلافة من بعده لعُمر.