بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد يجب علينا مطالعة سيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، فسيرته صلى الله عليه وسلم مملوءة بالمشاعر الإنسانية الفياضة الجياشة فلندرسها ولنتخذها منهج حياة وكذلك قراءة سيرة السلف الصالح، والأئمة المهديين من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، والوقوف على ما كانوا عليه من الأخلاق الجميلة والآداب الكريمة.
فإن كل ذلك يحرك القلوب إلى المشاعر الإنسانية العظيمة الجياشة نحو الآخرين ويجعل فيها شوقا إلى الإحسان إلى الناس، وتفريج كرباتهم، وقل أن تجلس في مجلس فيذكر فيه كريم بكرمه، أو يذكر المحسن فيه بإحسانه إلا خشع قلبك، ويقول ابن الجوزي رحمه الله، فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم، إلى أن قال فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب، فهذه أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها يأتيها عطاؤها من أمير المؤمنين معاوية رضي الله عن الجميع وهي صائمة ثلاثون ألف درهم وهي في أشد الحاجة، فتوزعها على الفقراء إلى فلان وآل فلان.
ولم تبق منها شيئا حتى غابت عليها الشمس، فالتمست طعاما تفطر عليه فلم تجد، فسير الرجال وسير الصالحين وسير الأخيار تحرك القلوب إلى الخير، فإن الله عز وجل يثبت قلوب الصالحين على الصلاح والبر ما سمعوا بأمر صالح وما سمعوا بسيرة عبد صالح، وكذلك مصاحبة الرحماء وأهل الفضل والإنسانية، فانظر في إخوانك وخلانك، فمن وجدت فيه الرحمة والإنسانية ورقة القلب وسرعة الاستجابة لله، فاجعله أقرب الناس منك، فإن الأخلاق تعدي، فإذا عاشر العبد الصالحين أحس أنه في شوق للرحمة، وأحس أنه في شوق للإحسان إلى الناس، ودعاه ذلك إلى التشبه بالأخيار، فكم من قرين اقترن بقرينه، كان من أقسى الناس قلبا، فأصبح لينا لان قلبه بصحبة الصالحين، لذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أشد الناس قلبا وأعظمهم صلابة، فلما كسر الله قلبه بالإسلام.
كان من أرحم الناس بالمسلمين رضي الله عنه وأرضاه لأنه عاشر رسول الأمة وإمام الرحماء فتأثر به، حتى قال العلماء رحمهم الله كان أرحم الناس بالناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الاختلاط بالضعفاء والمساكين وذوي الحاجة فإنه مما يرقق القلب، ويدعو إلى الرحمة والإنسانية والشفقة بهؤلاء وغيرهم، وقد علمنا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال المباركفوري إن المرء إذا نظر إلى من فضل عليه في الدنيا، استصغر ما عنده من نعم الله، فكان سببا لمقته، وإذا نظر للدون، شكر النعمة، وتواضع وحمد الله ويكون رحيما بهم مشفقا عليهم وعونا لهم، وكذلك العلم بأن صاحب الإنسانية أحب الناس إلى الله، فكل هذه النصوص، وغيرها الكثير الهدف منها جعل المسلمين جميعا ذكورا وإناثا يشعرون بروح الجماعة الواحدة المرتبطة ببعضها البعض، ماديا ومعنويا في العون والمساعدة والإنسانية وقضاء الحوائج، فهم كالجسد الواحد تسعد الأعضاء كلها بسعادته وتحزن لحزنه.