الدكروري يكتب عن التحرير العقلى من أسر التقليد


بقلم / محمـــد الدكـــروري


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله، إن في موضوع تربية الأولاد قد لا يحتاج الآباء إلى الكلام في حضرة الأسوة، لماذا؟ لأن الأسوة فعل محسوس ومُشاهد، والكلام قول مجرد، والنفوس في أصلها ميل للمحسوس، ونفور وبُعد من المجرد، لذلك ترى الطفل وهو في سنواته الأولى كلما قام أبوه نحو غرفته، سارع وسابق أباه نحو السجادة، وجلس يقلد حركاته وإن كان لا يفقه منها شيئا، فإذا كبر لم يحتج معه والده كثرة الكلام وإغلاظ القول، حتى يصلي ذاك الصبي الذي كان يسابق أباه نحو مصلاه، وقل مثل هذا في الصدق والحياء والوفاء والبعد من الفواحش، وما أكثر المغريات في هذا الزمن الذي يقوم فيه بدل الوالدينِ كثير من الموجهين، فهناك التلفاز والأنترنيت.

وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي، فإذا لم يكن الوالدان خير قدوة لأبنائهما بأفعالهما، فمن المستحيل عقلا أن يغلب قول قولين أو ثلاثة أقوال، إلا إذا كان قول الوالدين فعلا ينظره الأبناء في حياتهم سلوكا وامتثالا لشرع الله عز وجل، على أننا ننبه إلى أن بعضهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، وغيره قدوة، والفرق بينهما أن الأسوة تكون أنموذجا يحتذى في نواحي الحياة كلها، وهذا لا يصدق إلا على مَن اصطفاهم الله تعالي لرسالته وخصهم بفضله العميم ولأنهم معصومون، لذلك كان الرسل الكرام عليهم السلام أهلا للأسوة، أما القدوة فقد يكون صالحا في باب أو بابين من الحياة، لكنه يقَصر عن مراتب الكمال في باقي وجوه الحياة، وهذا هو السر وراء كون رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أسوة.

وكون غيره من أفراد الأمة قدوة، وهذا ما ذهب إليه بعض، ولكن هذا مخالف لظاهر الآية الكريمة ” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ” إذ الضمير راجع إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام والذين آمنوا معه، وإنه ينبغي علينا التحرير العقلى من أسر التقليد، وأول التحرر من القيود التقليدية، هو قيد التحرر من اتباع الآباء والأجداد، فكثيرا ما وقف هذا الحاجز دون الاستماع والإنصات الحق إلى دعوات أنبياء الله تعالى ورسله، فيما جاؤوا به من البينات والهدى للناس، فتجد نبى الله هود عليه السلام يدعو قومه إلى التوحيد، وترك ما هم عليه من بطر وتجبر وتظالم، متكلما معهم بالحسنى، فما كان منهم إلا أن قالوا له كما جاء فى سورة الأعراف ” أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان عليه آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين”

وكذلك وقف الكثيرون من الأقوام المختلفة مثل هذا الموقف الغبى من رسل الله إليهم، ومنهم مشركو العرب، حين جاءهم خاتم رسل الله محمد صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى توحيد الله، والشهادة له بالرسالة، وتبنى مكارم الأخلاق التى جاء بها من ربه، فرفضوا هذه الدعوة الخيّرة البصيرة، كما حكى عنهم القرآن الكريم فى سورة المائدة ” وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون” وبهذه المناقشات العقلية المضيئة والمنيرة يخاطبهم القرآن الكريم، ليعمل على زحزحة هذه العقول الجامدة، كأنها الحجارة أو أشد قسوة، فلم يسلموا إلا بعد مشوار طويل، سقط فيه من سقط، ونجا فيه من نجا، فالتقليد الأعمي يسبب تعطيل السمع والبصر والفؤاد.

وينزل بالإنسان من أفق الإنسانية العاقلة إلى حضيض البهيمية الغافلة، بل يجعل الإنسان أضل سبيلا من الأنعام لأنها لم تؤت ما أوتى من قوى التمييز والإدراك، فكان جديرا أن يكون من حطب جهنم كما أخبر الله عز وجل، وصدق فيهم قول الله عز وجل فى سورة الأعراف “ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.