بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا أما بعد يوم القيامة يوضع الميزان حيث توزن الأشياء التي في الصحف، وبعدها ينقسم الناس إلى أزواج ليذهب كل شخص مع من كان على شكل أعماله، ويقام لواء لكل نبي ليدخل الناس تحت هذه الألوية حسب أعمالهم، ويقسم الناس فيحشر الجاحد مع الجاحد، والظالم مع الظالم، حيث قال الله تعالى ” احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله” كما وتكون هناك ظلمة قبل النار ليسير كل إنسان بما معه من نور حسب عمله، ويسير الناس إلى أن يضرب بين المؤمنين والمنافقين بسور، فقال تعالى ” فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمه وظاهره من قبله العذاب”
فيقع المنافق مع غير المؤمن في النار، وهناك أيضا الصراط وهو يكون على النار، ويكون النبي صلي الله عليه وسلم يدعو له ولأمته بالتسليم، فيقول ” اللهم سلم سلم” ويمر كل إنسان عليه حسب عمله، وينجو من غفر الله تعالى له، ويسقط في النار من شاء الله تعالى له العذاب، وبعد الصراط يجمع أهل الجنة ليقتص لهم من بعض، ويُخرج الله تعالى من قلوبهم الغل، وإن الإيمان بالله عز وجل والإيمان باليوم الآخر يحي في نفوس المؤمنين معاني الصبر والاحتساب، والرضا، والعفو والبذل في سبيل الله عز وجل، فالمؤمن يعلم أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان وليست دار للجزاء والنعيم، فيعفو عمن ظلمه، ويقبل الأعذار، ويبذل وينفق في سبيل الله تعالى، ويضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء ويسعى إلى الخير ويقاوم الشر، لا يغش ولا يخدع، ولا يسرق، ولا يزني.
وكل هذا لإيمانه باليوم الآخر ومقتديا بقوله تعالى ” وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما” وقال الإمام القرطبي أي أنكم ترجون ثواب الله وهم لا يرجونه وذلك أن من لا يؤمن بالله لا يرجو من الله شيئا، وكما يترتب على هذا الجزاء، خضوع المسلم لأحكام الشريعة خضوعا اختياريا في السر والعلن خوفا من عقاب الله، وحتى لو استطاع الإفلات من عقاب الدنيا، لأن عقاب الآخرة ينتظره ولا يستطيع الإفلات منه، وإن من أسباب دفع العقوبات هو البعد عن الغفلة، وعدم الأمن من مكر الله، وعدم السير وراء اللهو والعبث، وذلك يكون بالثبات على طاعة الله، وأن الغفلة والنسيان سبب من أسباب العقوبة، وهكذا فقد بغت القوم أمر الله، وما أخذ الله قوما قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر إلا القوم الفاسقون.
وكما أن من أسباب دفع العقوبات هو التوبة، والاستغفار من الذنوب، والإقلاع عنها، فرادى وجماعات، والحذر الحذر من المجاهرة بما يغضب الله، فإن المعاصي نذير شؤم على الأمة كلها، حيث يقول الله تعالي “وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون” فقال ابن عباس في تفسير هذه الآية كان فيهم أمانان وهما النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار، والرسول صلى الله عليه وسلم لما سألته زوجته رضي الله عنها فقالت أنهلك وفينا الصالحون؟ قال “نعم، إذا كثر الخبث” رواه البخاري، والخبث هو كل ما يغضب الله من المعاصي والموبقات، وكما إن من أسباب دفع العقوبات هو الدعاء، والتضرع، والاستغاثة بالله عز وجل فإن الله لا يرد من سأله، فسبحانه يقول.
” أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء” ويقول سبحانه ” وقال ربكم ادعوني أستجب لكم” والله سبحانه وتعالي قد بين أن سبب هلاك بعض الأمم أنها تركت التضرع واللجوء إلى إليه وقت الأزمات والحاجات، وإن المؤمن ينطلق في الحياة فيشاهد مصارع الأولين، وآثار ديارهم المخربة، وحصونهم المدمرة، فيرتعب لتلك المشاهد أن أُخذ أهلها في غفلة، وقد كانوا أقوياء ذوي كثرة، فما أغنى عنهم غناؤهم ولا دفعت عنهم قوتهم لما جاءهم العذاب، لقد كانت لهم آلهة يعبدونها من دون الله، وهم من خلق الله، وكانوا يحسبون أنها ستدفع عنهم النقم وتصرف عنهم المحن، فحان عليهم الدهر وأحاط بهم القهر، فيقول تعالي ” فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب