الحسنة الوحيدة

 

بقلم / عبير مدين

 

كثيرا ما نصحها البعض أن تتوقف عن إضاعة وقتها في سماع بعض المحيطين بها؛ فهم محترفي نكد يستطيعون تغيير مزاج غيرهم للأسوأ بسهولة، لكنها كانت تخجل أن ترد أحدا وتغلق أذنيها في وجهه من قصدها، لعل هذا كان سر تميزها ومحبة المحيطين بها، وقتها كانت صغيرة السن وكانت تعتبره أمرا مسليا ومن الممتع أن تكون شخصية ناضجة في عيون الآخرين خاصة الكبار منهم؛
حتى كان اليوم الذي دخلت فيه إحدى زميلاتها بسرعة كطلقة ارتمت على صدرها وبحرقة بكت وهي تقول بعصبية أين كنت؟! بحثت عنك كثيرا! وكأن فرض عليها أن تلتصق مكانها كعبة يطوف حولها الوافدون! ذهلت من السؤال وانعقد لسانها فلم تستطع الإجابة نظرت في عينها وجدت خلف الدموع عتابا حارا ورسائلا قرأتها في لمح البصر! استرسلت تحكي، ثم تنهدت بارتياح وكأنها وجدت ضالتها بعد طول عناء!
انت لا تعلم معنى أن يتخطى أحدهم عشرات الجماجم و الأعناق يصطفيك ويأتمنك على أسراره ومشاعره، يشعر انك ملاذه وجزءا من حياته؛ وأنك الوحيد الذي تمثل له جزيرة آمنه وسط محيط هائج من المشاكل والاحباط! يريد من فقط أن تسمع ربما لا يعنيه أن تفهم ولا ينتظر أن تفكر معه أو أن ترد، لكن يريد أن يلقى ما في صدره فقط في بئر!

إنها ثقة غالية يوليها لك بعض أو معظم من حولك لذا من العار أن تخذلهم مهما كانت ظروفك، ولا يحق لك أن تسقط مهما كانت الضغوط الواقعة عليك فهناك من يستند عليك وهناك من يستمد قوته من صمودك في وجه عواصف الحياة.

انظر الى الجانب الإيجابي فما تسمعه من هموم ومشاكل ربما يهون عليك ما تكابد و يزيدك رضا بحياتك، وربما يزيدك خبرة كما يزيدك جمالا في عيون الآخرين ولا يليق بك أن تتنمر أو تسخر أو تقلل من حجم معاناة من لجأ اليك فنحن نتباين في قدرتنا على التحمل؛ هناك من يحمل أطنانا من الهموم ويسير بها دون أن يلحظ أحد، وهناك من يحمل همومه ويتخبط في سيره و يأن، وهناك من هو هش تكسره قشه.
هناك من يتخلص من معظم همومه عندما يتحدث عنها مع صديق وهناك من لا يرغب في إزعاج أحد وهناك من يرى أن الكلام لن يغير شيئا وعليه أن يحل مشاكله بنفسه، هناك…، وهناك.
والخلاصة ربما يريد القدر منك أن تكون جابرا للخواطر ولعل هذه هي الحسنة الوحيدة التي تفعلها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.