بقلم / د. محمود محمد علي
لبراق بن روحان هو فارس بني تغلب وصاحب شأن عظيم ، أعتبر في عصره من خيرة الفرسان ، وكان يشار إليه بالبنان وعزة النفس ، وهو يعد من شجعان الجاهلية ومن ذوي السيادة فيهم ، ومن أشجع شجعان قبائل ربيعة إلى درجة أن العرب كتبت في التاريخ أن إليه ينتهي كجد بني ربيعة .
والبراق بن روحان اسمه بالكامل البراق بن روحان أسد بن بكر ، من بني ربيعة ، أبو نصر ، كان شاعرا مشهورا من شعراء الطبقة الثانية وهو جاهلي قديم ، وهو ابن عم وائل بن ربيعة (كليب) والزير سالم ، وهو أكبر منهما عمرا وأقدم منهم في الفروسية وقدوتهم في الشجاعة .
كان للبراق أبنة عم ايمها ليلي ، وكانت ليلي تحب البراق والبراق يهيم بها عشقا ، وكان جميع أفراد القبيلة على دراية بقصة العشق بينهما ، وكان المتعارف عليه حينها أن ليلي زوجة البراق المستقبلية ، وكان عم البراق تاجرا واسمه ” لكيز” ، وكان صديق لملوك اليمن ، يذهب إليهم بقوافله التجارية في كل عام ، وفي أحد الأعوام كان ” لكيز” قد وصل إلى قصر ملك اليمن ببضاعة ، وبعد أن استقبله وتبادلا الحديث ، قال له الملك : ” يل لكيز ثد سمعنا أن لديك ابنة اسمها ليلي ، تامة الحسن ، وكاملة الجمال ، فقال له لكيز : صدقت أيها الملك ، فلي ابنة اسمها ليلي ، وهي كما وصفت ، فقا له ملك اليمن : أنا أريدها زوجة لأبني ، فلنجعل من صداقتنا نسبا بيني وبينك .
فوجئ لكيز من كلام الملك ، ولم يستطع رفض نسب الملك ، وأمام إلحاح الملك وافق لكيز على تزويج ابنته ليلي لأبن ملك اليمن ، ثم رجع لكيز إلى نجد وقابل ابن اخيه البراق وقال له ما جري بينه وبين الملك ، وقد حاول البراق أن يثني عمه عن قراره ، لكن عمه رفض وأصر على تزويجها ، وهنا خرج البراق غاضبا من مضارب عشيرته ، وفي الطريق قابل ابنة عمه ليلي فقال لها : يا أبنة العم ، أأنت راضية عن قرار والدك ؟.. فقالت له : لست براضية ، لكنه قرار أبي ولا أستطيع رفضه ، فقال لها البراق بأن تنتظره عند بئر ماء ليأخذها بعيدا عن قومه ويتزوجها ، فرفضت ليلي وأبت خوفا على سمعتها وسمعة أبيها ، ومنذ ذلك اليوم سميت ” ليلي العفيفة” ، لأنها رفضت الهرب مع ابن عمها.
غضب البراق وكره قبيلته وأعتزل العرب كلها ، فخرج إلى الجبال وهام على وجهه ، وعتب على قبيلته التي لم تثن عمه على قراره ، ومرت الأيام وبينما البراق في عزلته بين الجبال وحيدا هائما وقد اشتد عليه الوله وحب ليلي ، إذا بالحرب تنشب بين قبيلته وبين قبائل طي وقضاعه ، وكان يقود قبيلة ربيعة في المعارك وائل (كليب) وأخوه الزير سالم ، فكانت الغلبة لقبائل طي وقضاعه ، واستنزفوا قبيلة ربيعة ، فكانوا أكثر عددا منهم ، رغم سماع البراق عن طريق الرعاة أن قبيلته وأبناء عمومته يقتلون ويموتون ، لم يحرك فيه ساكنا ، ولم تحدثه نفسه بالتدخل ، ولم تحثه رجولته للتحرك لنجدة أهله ، فتعبت قبيلة بني ربيعة ، وزاد فيها عدد القتلى ولم تستطع أن تتحمل أكثر من ذلك ، وقالوا له أن لم نعد نستطيع الحرب أكثر فأنجدنا قبل أن نهلك ، فطردهم البراق ورفض العودة معهم وهنا ارتكبت قبائل طي وقضاعه خطأ فادحا ، فكتبوا إلى البراق يشكروه لعدم تدخله في الحرب ، ووعدوه بأن يرسلوا له الهدايا الثمينة والعطايا لموقفه المحايد ، ولكن كان لهذا المكتوب نتائج عكسية ، فقد استفزت رسالته بني قضاعه البراق ن واعتبر أنه قد تخلي عن أهله وقبيلته وعشيرته وقت الشدة والحاجة ، وبأن المال الموعود به ثمنا لخيانته تلك .
أمر البراق رجاله بالركوب ، فركبوا وأمتطي هو مهرته ” شبوب” ، وكسر قناته وأعطي كل واحد من إخوته كعبا منها ، وقال لهم : ” حثوا أفراسكم ، وقلدوا نجبائكم قلائد الجزع في الاستنصار لقومكم” ، وقال أبياتا من الشعر تقول :
إذا لم أقد خيلاً إلى كل ضيغم… فآكل من لحم العداة وأشبع
فلا قدت من أقصى البلاد طلائعاً… ولا عشت محموداً وعيشي موسع
إذا لم أطأ طياً وأحلافها معاً… قضاعة بالأمر الذي يتوقع
فسيروا إلى طي لنخلي ديارهم… فتصبح من سكانها وهي بلقع
فاصطف الجيشان ، وصاح فرسان ربيعة وهو راقدون : براق سيدنا وثائد خيلنا ، وهو المطاع في مضيق الجحفل .. بدأت المعركة وبحث البراق عن زعيم قبيلة طي وأسمه ” النضير” ، وهو الذي كنب له الرسالة ، فأستطاع قتله ، وكسرت طي بعد مقتل قائدهم ، وفرت قضاعة وغنمت ربيعة منهم غنائم كثيرة ، ورجع البراق مع قبيلته وعينوه زعيما لهم ، لكن ليلي التي أحبها كانت قد أرسلت إلى ملك اليمن ، ولكن وهي في الطريق تم خطفها من قبل فرسان لقبيلة ” اياد” من عدنان ، وأهدوها جارية لأحد أبناء كسري ، فأحبها لشدة جمالها ، وحاول معها الفارسي فرفضته ، فاغراها بالزواج ورفضت أيضا ، فعذبها عذابا شديدا واستمرت في رفضه .
في ذلك الوقت لم تكن قبيلة ربيعة تدري أن ليلي قد خطفت ، وكانوا يعتقدون أنها وصلت اليمن ، وفي الوقت نفسه ، كان ملك اليمن يعتقد أنها ما زالت في قبيلة أهلها ، إلى أن صادفت ليلي راع على أطراف القصر الذي كانت أسيره فيه في بلاد فارس ، وبعدما عرفته أنه من العرب قالت له : ” هل تعرف البراق بن روحان ؟.” ، فقال لها ومن لا يعرف البراق ، أشهر فرسان العرب وأشجعهم ، فقالت له : سأقول لك قصيدة وانقلها للبراق ، فأنشدت ليلي على مسامع الراعي قصيدة تستنجد بها نخوة البراق وكليب الزير سالم وجساس وفرسان العرب كافة ، فنقل الراعي عنها القصيدة التي تقول فيها :
ليت للبراق عينا فــترى :::: ما الاقي من بلاء وعنا
عذبت اختكموا با ويلكم :::: بعذاب النكر صبحا ومسا
غللوني قيدوني ضربوا :::: جسمي النحيل بالعصا
قيدوني غللوني وافعلوا :::: كل ما شئتم جميعا من بلا
فانا كارهة بغـــــيـــكم :::: ويقين الموت شيء يرتجى
فلما وصل الراعي قبيلة ربيعة وألقي عليهم القصيدة ، لم يتنظر الفرسان انتهاءه منها ، حتى ركبوا خيولهم، وركضوا مسرعين إلى بلاد فارس ، ولحقت بهم قبائل مضر من تميم وهوازن وغطفان ، فقاد البراق فرسان القبائل العربية حتى دخل أرض فارس ، فيدأت المعارك الطاحنة بينه وبين أبناء الأكاسرة بين كر وفر ،حتى قتل الفرسان ” غرسان” أخ البراق ، وكان البراق بحبه حبا عظيما ، فأصبح ثأره عند الفرس ثأريين ، فجمع البراق فرسانه ، وكر على جنود الفرس كرة واحدة وهو ينشد قائلا :
لَأُفرِجَنَّ اليَومَ كُلَّ الغُمَمِ::: مَن سَبيِهِم في اللَيلِ بيضَ الحُرَمِ
صَبراً إِلى ما يَنظُرونَ مُقدَمي::: إِنّي أَنا البَرّاقُ فَوقَ الأَدهَمِ
لَأُرجِعَنَّ اليَومَ ذاتَ المبسِمِ::: بِنتَ لُكَيزَ الوائِلِيِّ الأَرقَمِ
وغلب البراق ورجاله جيش الفرس وكسر جنودهم واقتحم أسوارهم ، وحرر ليلي منهم ، وعاد منتصرا محررا حبيبته ليلي ، وعندما عادوا للقبيلة زوجوه ليلي العفيفة.