بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، والعافية للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله سيد ولد آدم أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد لقد إستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخيانة في دعائه “اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، ومن الخيانة، فإنها بئست البطانة” فهي من أسوأ الصفات التي يمكن أن تكون في الإنسان، فمن يخن، فلا يؤتمن ولا يثق به أحد بعد ذلك لأنه خان في المرة الأولى، فتسهل عليه الخيانة فيما بعد، والخيانة حرام في الإسلام، وهي من صفات المنافقين حيث قال صلى الله عليه وسلم ” آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان”
وللخيانة عقاب شديد في الدنيا والآخرة، فعقابها في الآخرة هو عذاب النار، لقوله صلى الله عليه وسلم “المكر والخديعة والخيانة في النار” ويكون النبي صلى الله عليه وسلم خصم للخائن ويتبرأ منه يوم القيامة، حيث قال صلى الله عليه وسلم ” من خان من ائتمنه فأنا خصمه” وقال صلى الله عليه وسلم ” من خان شريكا له فيما ائتمنه عليه واسترعاه له، فأنا بريء منه” وجاء في الحديث القدسي ” يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان، خرجت من بينهما” ويعجل الله تعالى عقوبة الخيانة في الدنيا قبل الآخرة، لقوله صلى الله عليه وسلم “ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم، والخيانة، والكذب”
وهي تجر الفقر والفاقة في الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم ” الأمانة تجر الرزق، والخيانة تجر الفقر” وإن من صور الخيانة هو مصانعة العدو ومصادقته، كما حدث في قصة الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، وقد كان له إخوة وبنون بمكة، ليس لهم عصب يحميهم، فخاف عليهم إذا غزا النبي صلى الله عليه وسلم مكة عندما أراد فتحها، فأحب أن يكون له عند قريش يد، وأراد أن يتقرب إليهم رغبة في عدم إيذاء أهله بمكة منهم، فكتب إليهم كتابا وأرسله إليهم، روي أنه ورد فيه “أما بعد يا معشر قريش، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش عظيم يسير كالسيل، فو الله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له، فانظروا لأنفسكم والسلام” والذي ينظر إلى هذه الصيغة لا يفهم منها أنه قصد أذى المسلمين.
وإنما هو إفشاء السر لمصلحة رآها هو لأهله بمكة، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عليّا والزبير والمقداد في تتبع المرأة التي معها كتاب حاطب إلى قريش، حتى وجدوها عند مكان يسمي روضة خاخ، فأخذوا منها الكتاب، فأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى هذا الحدث دليل على أن ما عمله حاطب من النفاق، فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم قول عمر بن الخطاب ” دعني أضرب عنق هذا المنافق” وفى رواية ” فقال عمر رضي الله عنه “إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني أضرب عنقه” فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل بدر دمعت عيناه رضي الله عنه، وقال ” الله ورسوله أعلم ” ومن هذا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستنكر وصف عمر رضي الله عنه لهذا العمل بأنه نفاق.
ولا حتى العقوبة التي أراد عمر رضي الله عنه أن يوقعها عليه وهي القتل، وإنما الذي شفع له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان من أهل بدر، وأبلى بلاء حسنا في هذه الغزوة المباركة.