بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد جاء في الدعاء المأثور”اللهم إني أعوذ بك من خليل ماكر عيناه ترياني، وقلبه يرعاني، إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أذاعها” ولكن المعنى في هذا الخليل الماكر أى عيناه ترياني، وقلبه يرعاني، إن رأى حسنة دفنها وإن رأى سيئة أذاعها، وهذا صفات الحاقد، إذا رأى حسنة كتمها، وإذا رأى سيئة نشرها، فهو يترصد، وإن الإسلام يتعاهد النفوس ليغسلها من أدران الحقد يوميا وأسبوعيا وفي كل عام، أما بالنسبة ليوميا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأه باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان متقاطعان، متدابران، متهاجران، متفارقان، متكارهان” رواه ابن ماجه وابن حبان، وهذا فى قول أخوان متصارمان لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم، أما بالنسبة لأسبوعيا، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
” تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين، يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن، إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء، فيقال اتركوا، أو اركوا، هذين حتى يفيئا” رواه مسلم، فتعرض الأعمال على الله يغفر الله للمؤمنينـ إلا من بينه وبين أخيه شحناء ، ما في مغفرة، لماذا للشحناء؟أتركوا هذا حتى يفيئا، وفي رواية أيضا لمسلم، تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر فيها لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا” رواه مسلم، ويعني هذا أنه كم يفوته من الأجر العظيم؟ كل أسبوع وهما يومان في الأسبوع اثنين والخميس يقال أنظروا هذين حتى يصطلحا لا مغفرة لهذين حتى يصطلحا، حتى يفيئا كم بين الاثنين والخميس ؟ ثلاثة أيام، وكم بين الخميس والاثنين؟ إذن لا يجوز لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، وبالنسبة للشيء السنوي في موضوع الأحقاد.
“وهوإذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله على خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه “رواه البيهقي، وهولا مغفرة لهم، حتى يدعوا الحقد، حتى يتركوا الحقد، حتى يخرجوا البغضاء من قلوبهم، حتى يتصافوا ويكونوا عباد الله إخوانا كما أمر الله عز وجل، وفي رواية فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن” رواه ابن ماجه، والمشرك ليس له مغفرة، والمشاحن ليس له مغفرة، فأصحاب الأحقاد تبا لهم على ما حرموا من هذا الخير العظيم، وهذه المغفرة العظيمة، بسبب الحقد والشحناء، وإن الشفاء من الحقد نعمة من الله، وليس أهنأ في الحقيقة، ولا أطرد لهمومه، ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب بريء من وسواس الضغينة وثوران الأحقاد، ومستريحا من نزعة الحقد الأعمى، فإن فساد القلب بالضغائن داء عياء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش كما يتسرب الماء من الإناء المثلوم.
وإن الحاقد فيه شبه من الكفار الذين قال الله فيهم فى سورة آل عمران ” وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور” وهكذا الحاقد المغتاظ يعظ أنامله على من يحقد عليه، فإن الشحناء هي العداوة إذ امتلأت منها النفس والبغض والحقد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا” رواه البخاري ومسلم، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لا تباغضوا، وهذا الدليل للتحريم، لا يجوز لك أن تبغض أخاك المسلم، حرام عليك أن تبغض أخاك المسلم، قال ابن رجب رحمه الله فى شرحه ” لا تباغضوا نهى المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله تعالى بل على أهواء النفوس، فإن المسلمين جعلهم الله إخوة، والإخوة يتحابون بينهم ولا يتباغضون” وقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم” رواه مسلم.
فإن سلامة الصدر مسألة عظيمة، فضلها كبير، فعن عبد الله بن عمرو قال، قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل؟ قال كل مخموم القلب” ومخموم القلب، يعني خممت الشيء إذا كنسته، خممت البيت إذا كنسته مخموم القلب يعني أنه يزيل ما علق بقلبه أولا بأول، مثلما تكنس البيت وتزيل ما فيه من النجاسات والقاذورات كل مخموم القلب، صدوق اللسان قالوا صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال “هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد” رواه ابن ماجه، وقال صلى الله عليه وسلم “خير الناس ذو القلب المحموم الذي يود ويود، واللسان الصدوق، قيل وما هو؟ قال صلى الله عليه وسلم “التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد قيل فمن على أثره؟ قال صلى الله عليه وسلم “الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة، قيل فمن على أثره؟ قال صلى الله عليه وسلم “مؤمن على أثر حسن” فإن أعلى الدرجات هو القلب المخموم الذي لا غل فيه ولا حسد.