بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد أخبر عليه الصلاة والسلام بأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة وأنها من شُعب الإيمان، بل ورد في صحيح مسلم من حديث عامر بن عمرو رضي الله عنه “أن من أغضب مسلما فقد أغضب ربه، وأنه على خطر من عقوبته وانتقامه حتى وإن كان المؤذي من أفاضل الناس وخيارهم، فاحذروا أذية المؤمنين والإساءة إلى الناس أجمعين، إلا بحق ظاهر قام عليه الدليل البيّن السالم من المعارض من الكتاب والسنة، والمأثور عن السلف الصالح من هذه الأمة، ليكون لكم برهانا قاطعا، وحجة دافعة حين تختصمون إلى ربكم، فتؤدى الحقوق إلى أهلها، فإن أذية المؤمن ظلم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، والصبر على أذى الخلق أفضل من الدعاء عليهم، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة النحل ” ولئن صبرتم لهو خير لكم” وإن من الأذى ما لا تكفره الصلاة ولا الصدقة ولا الصوم، بل لا يُغفر للظالم حتى يغفر له المظلوم.
وهيهات أن يعفو المظلوم يوم تتطاير الصحف وتعز الحسنات، ويعظم الإيذاء ويتضاعف الإثم وتشتد العقوبة كلما عظمت حرمة الشخص أو الزمان أو المكان أو المناسبة، ولئن كان الاستهزاء بالناس أذية وبلية، فإن الاستهزاء بالصالحين والعُبّاد والمحتسبين أشد إثما وأكثر خطرا، وهذا الهمز واللمز هو أول سلاح أشهِر أمام الأنبياء والرسل، وإن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء في خطبة الوداع، كما وصى بهن وهو على فراش الموت، فويل لمن آذى وصية النبي صلى الله عليه وسلم وظلم النساء، ولقد أوصى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالنساء في خطبة الوداع، كما وصى بهن وهو على فراش الموت، فويل لمن آذى وصية النبي صلى الله عليه وسلم وظلم النساء، وويل لمن آذت زوجها، فإن الملائكة تلعنها، فإن أذية أحد الزوجين للآخر من أقبح صور الأذى.
فإذا كان إيذاء المسلمين ببعض الأمثلة التي مضت يُعد كبيرة من الكبائر وجريمة من المحرمات فما بالكم بألوان من الأذى يتضرر منه ملايين المسلمين ويقع بلاؤه على مجموع الأمة ؟ فإن الأذية كلما انتشرت دائرتها وتوسعت، كان إثم مرتكبها أعظم وعقوبته أشد، وإذا كانت اللعنة تحق على من يتخلى في طرق المسلمين وظلهم ويؤذيهم في طرقاتهم وهو لا يتعدى أفرادا معدودين، فكيف بالذين يؤذون المؤمنين في دينهم وعقيدتهم وتصوراتهم ويؤذون ألوف المسلمين؟ إنه أذى لله ورسوله كما قال الله تعالى في الحديث القدسي المتفق عليه: “يؤذينى ابنُ آدم” وفي القرآن الكريم، فيقول تعالى فى سورة الأحزاب” إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا” كما أن من أذية المسلمين هو خلط الحقائق وتلبيس الوقائع، وتسميم الثقافة والوعي، وقل مثل ذلك في مجال القيم والأخلاق والسلوك، وكم يتأذى عموم الناس.
بما يعرض من مقروء ومشاهد مما يصادم الذوق العام كما يصادم الفضيلة والفطرة؟ فضلا عن أصول الشريعة ومبادئها، أليس كل هذا أذية للمسلمين وتحد ظاهر لدينهم ومشاعرهم؟ حتى أصبح من يريد الحفاظ على نفسه وأسرته من الوقوع في الانحراف يعاني الكثير والكثير؟ وأيضا فإن هناك صورة أخرى من صور الأذى وهو استغلال حاجة الناس وفقرهم، والتحايل على الربا الذي غطى بسحابته السوداء بلاد المسلمين، وضرب بأطنابه في تعاملاتهم ظلما وعدوانا حتى دخل على من لا يريده في عقر داره ولو أن يصله غباره، وإن من صور الإيذاء التشويش على المصلين في المساجد برفع الأصوات والمزاحمة والمدافعة وتخطي الرقاب والصلاة في الطرق والممرات وعلى الأبواب وإيذاء المسلمين بالروائح الكريهة المزكمة المنتنة، فعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال ” جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال ” اجلس فقد آذيت” رواه أبو داود وابن ماجه، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال ” اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال ” ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ” رواه أبو داود، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذين بريح الثوم ” رواه مسلم، وفي لفظ ” فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ” وعن عائشة رضي الله عنها قالت ” كان الناس يسكنون العالية فيحضرون الجمعة وبهم وسخ، فإذا أصابهم الروح سطعت أرواحهم فيتأذى بها الناس، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ” أولا يغتسلون ؟ ” رواه النسائي، ومن صور الأذى هو التخلي في طريق الناس وأفنيتهم.
وقضاء الحاجة في أماكن تنزههم وجلوسهم وتنجيسها وتقذيرها بالأنجاس والمهملات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” اتقوا اللعانين، قالوا وما اللعانان يا رسول الله ؟ قال الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم ” وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال، قلت يا رسول الله دلنى على عمل يدخلني الجنة، قال ” اعزل الأذى عن طريق المسلمين ” رواه أحمد، ومن صور الإيذاء والاعتداء هو إيذاء الرجل زوجته بالجور والظلم والقهر والقسوة والغلظة والحرمان والتهمة والظن والتخوين والشك في غير ريبة، ومعاملتها بالخلق الدني واللسان البذي الذي لا تبقى معه عشرة ولا يدوم معه استقرار ولا سكون ولا راحة، ومن الرجال من يترك زوجته معلقة لا ذات زوج ولا مطلقة ليحملها على الافتدا ودفع عوض المخالعة ظلما وعدوانا، ومن الرجال من يحرم المرأة أولادها بعد تطليقها إمعانا في الإساءة والأذى.
ومن صور الأذى هو إيذاء المرأة زوجها بالمعاندة والمعارضة والمكايدة والاستفزاز وعدم رعاية حقه في المغيب والمشهد، إلى غير ذلك من صور الأذى التي يرفضها الشرع الحكيم ويأباها الطبع السليم والعقل المستقيم، فاتقوا الله وكفوا الأذى وابذلوا الندى تنالوا الحسنى وطيب الذكرى، وتسعدوا وتسلموا في الدنيا والأخرى، فإن في السير على خطى سلف هذه الأمة وخيارها خير مسلك, لبلوغ الغاية من رضوانِ الله ونزول دار كرامته إلى جوار أوليائه والصفوة من خلقه، وقد وجه الله تعالى رسوله المصطفى صلوات الله وسلامه عليه إلى انتهاجِ مناهج سلفه من أنبياء الله ورسله والاقتداء بهم فيما هداهم الله إليه من الحق بما أكرمهم به من البيِنات والهدى، فقال تعالى فى سورة الأنعام ” أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده”