حكايتي مع الحياة وقسوتها


د. محمود محمد علي

يقال كان الكلب ذات يوم بين الرياض غارقاً في النوم فجاء من وراءه الثعبان منتفخا كأنه الشيطان فهم أن يغدر بالأمين فرقت الورقاء المسكين ونزلت توا تغيث الكلب ونقرته نقرة فهبا فحمد الله على السلامة وحفظ الجميل للحمامة إذ مر ما مر من الزمان ثم أتي المالك البستان فسبق الكلب لتلك الشجرة لينذر الطير ما قد أنذر واتخذ الملح له علامة ففهمت حديثه اليمامة واقلعت في الحال للخلاص فسلمت من طائر الرصاص هذا هو المعروف يا أهل الفطن الناس بالناس ومن يعن يعن والخلاصة أن سنة تكوين الأمم التعارف والتعاون منها من يتعاون علي الإحسان ومنها من يتعاون علي العدوان ومن يتعاون علي الأخير فلا يلومني إلا نفسه.
ولهذا أقول علمتني الحياة أن أتلقي كل ألوانها رضا وقبولا .. ورأيت الرضا يخفف أثقالي.. ويلقي علي المآسي سدولا .. والذي أُلهم الرضا لا تراه أبد الدهر حاسدا أو عزولا .. أنا راضِ بكل ما كتب الله ومُزجِ إليه حمدا جزيلا .. أنا راضِ بكل صنف من الناس .. لئيماً ألفيته أو نبيلا .. لست أخشي من اللئيم أذاه .. لا ولن أسأل النبيل فتيلا.. فسح الله من فؤادي .. فلا أرض من الحب والوداد بديلا.. في قلبي مكان لكل ضيف .. فكنِ الضيف مؤنسا أو ثقيلا .. ضل من يحسب الرضا عن هَوان.. أو يراه على النفاق دليلا .. فالرضا نعمة من الله .. لم يسعد بها في العباد إلا قليلا .. والرضا آية البراء والإيمان بالله ناصرا ووكيلا .. علمتني الحياة أن لها طعمين .. مُرا وسائغا معسولا .. فتعودت حالتيها قريرا .. وألفت التغيير والتبديلا.. أيها الناس كلنا شارب الكأسين .. إن علقما وإن سلسبيلا.. نحن كالروض نضرة وذبولا .. نحن كالنجم مطلعا وأفولا .. نحن كالريح ثورة وسكونا .. نحن كالمزن ممسكا وهطولا .. نحن كالظن صادقا وكذوبا .. نحن كالحظ منصفا وخذولا .. علمتني الحياة أني مهما أتعلم فلا أزل جهولا.
ولذلك فقد سألوا أستاذ مادة الأدب تلميذه النجيب في الفلسفة عما يفعله إذا تخاصم عنده شريفان فقال اذكرهما بقول الشافعي لتلميذ يوسف الصدفي عندما اختلف معه … يا يونس لا تهدم الجسور التي بنيتها وغبرتها ، فربما تحتاجها للعودة يوما .. ثم سأله سؤالا وماذا لو تخاصم عندك اثنان احدهما من أصل شريف والآخر من أصل وضيع .. فقال آخذ من الشريف وأعطي للوضيع .. ثم سأله ولكن إذا كان الاثنان من أصل جيد فرد عليه مجيبا في هذه الحالة لا يحتاجونني للمصالحة بينهما.. ثم سأله أخير وماذا لو كان الاثنان من أصل وضيع فأجابه أدفع من حر مالي لأصلح بينهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.