إحترام الإنسان للناس


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن احترام الإنسان للناس وتوقيره لهم يرفع مقامه ويعلي شأنه عند الله تعالى وعند عباده، فالله يحب من يتواضع لعباده الذي يسعى في تيسير أمورهم، وتسهيل حوائجهم، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم “من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة” رواه البخاري ومسلم، ويرتفع المرء عاليا في عيون الناس ويحبونه ويوقرونه لاحترامه لهم، ويدعون الله له بالتوفيق والقبول، لإنه باحترامه لهم قد اشترى قلوبهم كما اشترى مودتهم وحبهم ومودة الله تعالى قبل ذلك، فيقول الله عز وجل فى سورة مريم ” إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا” وعن حذيفة رضي الله عنه، قال “أتي الله تعالى بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له ماذا عملت في الدنيا؟

قال ولا يكتمون الله حديثا، قال يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز وهو التجاوز عن العباد، فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر، فقال تعالى “أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي” رواه مسلم، وإن احترام الناس وتوقيرهم يكون بإلانة الكلام، والتواضع لهم، والاهتمام بهم، وقبول اعتذارهم، وتقدير ظروفهم، والتجاوز عن أخطائهم، وإن الناس في أزمنة متأخرة من عمر الدنيا أزمنة ضعفت فيها العزائم، وخارت الهمم، وتلاشت أكثر الأخلاق، واغتر الناس بالدنيا، مما أضعف التحلي بمثل هذه الأخلاق الكريمة، فما أحوج المجتمعات لمثل هذا الخلق الكريم، وقد ظهر في دنيا المسلمين ما يهدد مثل هذا الخلق وغيره، ولكن ليس بعزيز على الله تعالى أن يكرم عبيده، وديار المسلمين ومجتمعاتهم بأخلاق الإسلام الخالدة إذا أحسنوا واتقوا وآمنوا.

فما أحوجنا لهذا الخلق الكريم، فكم جلب الاحترام من المودات والمحبة والتوادد والثمرات اليانعات؟ وكم وجد المرء من الرتب والمقامات الحسية والمعنوية بسبب احترامه وتوقيره للآخرين؟ فإن الناس ليحبون من يحسن إليهم ولو بكلمة طيبة أو ابتسامة صادقة، ولا يحبون من يهينهم ويسيء إليهم ولو كان صاحب حق ومعروف، فإننا مدعوون لاحترام بعضنا بعضا، واحترام الآخرين حتى ولو كانوا غير مسلمين، فكثيرا ما يدخل هؤلاء في دين الله الإسلام بسبب احترامهم وأخذهم بالتي هي أحسن، فأحسنوا إلى عباد الله باحترامهم وتوقيرهم، وتحلوا بهذا الخلق النبيل وغيره من أخلاق الإسلام، فإن صلاتنا وسائر عباداتنا لربنا عز وجل تدعونا إلى مثل هذه الأخلاق، ولنا في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وفي أصحابه الكرام الذين ضربوا لنا أروع الأمثلة في الأخلاق.

وإن المرء ليصغر في عيون الناس وتهبط درجته إذا فقد هذا الخلق بالذات، فإنك ترى الرجل يحمل من المعاني الكثير، ولكنه لا يعرف توقير الناس واحترامهم، والعطف عليهم فتهبط سمعته وتذهب معانيه الكثيرة كأنه لا يساوي شيئا، وأن هناك قيمة إسلامية مهمة، نحن أحوج ما نكون إليها، نحتاجها في هذا الوقت أكثر مما مضى، ألا وهي قيمة الاحترام، وهى احترام النفس، واحترام الآخرين، وإن نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم، على جلالة قدره، وعلو منزلته، يستأذن غلاما صغيرا، لكي يتنازل عن دوره في الشراب، فيأبى الغلام، فلم يعنفه ولم يكرهه، بل وضع الإناء في يد الغلام، وانتهى الموقف بكل هدوء وأريحية، فأين نحن من هذا؟ وماذا لو كنت أنت الذي طلبت مثل هذا الطلب و رُفض طلبك؟ وهذه المرأة تقول كنت مولاة وأعتقت وبقي زوجها رقيقا.

ومن حقها شرعا بعد عتقها أن تنفصل عنه، فاختارت الفراق، فكان زوجها يبكي على فراقها وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له عندها، فشفع في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لها ” يا بربرية اتقى الله، فإنه زوجك وأبو ولدك” فظنت أنه يأمرها بالرجوع إليه، فبيّن لها النبى صلى الله عليه وسلم أنه ليس آمرا وإنما شافع، فردّت هذه المرأة التي كانت جارية ردّت شفاعة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو على جلالة قدره، وعلو منزلته، يستجيب لعبد مملوك، ويشفع له عند جارية سوداء، لكي تعود لعصمته، وتأبى المرأة وترفض شفاعته صلى الله عليه وسلم، فلم يعنفها ولم يكرهها، بل تقبل الأمر وانتهى الموقف بكل هدوء وأريحية، فأين نحن من هذا؟ وماذا لو كنت أنت الذي طلبت مثل هذا الطلب، ورفض طلبك؟ فإنها دروس من مشكاة النبوة في الاحترام والتقدير للنفس وللآخرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.