أنواع النوايا


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن من النوايا السليمه الصالحه أنه قيل أنه فكّ المشركون أسر حذيفة بن اليمان وأباه بشرط عدم المشاركة في قتالهم، وحينما قدموا إلى المدينة أعلموا النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك فأمرهم باحترام عهدهم وعدم الخروج لقتال المشركين في بدر، وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم شديدا على من ينابذ الدين بالعداء، فيحث المسلمين على الثبات والصبر في مواجهة الكفار، كما رفض الاستعانة بالمشركين والكفار بقوله لأحدهم “اذهب فلن نستعين بمشرك” ويقول شيخ الإسلام ابن عُثيمين رحمه الله والنية نيتان، فالأولى هى نية العمل، ويتكلم عليها الفقهاء رحمهم الله أنها هي المصححة للعمل، والثانية هى نية المعمول له، وهذه يتكلم عليها أهل التوحيد، وأرباب السلوك لأنها تتعلق بالإخلاص، ومثال هو عند إرادة الإنسان الغسل ينوي الغسل.

فهذه نية العمل، لكن إذا نوى الغسل تقربا إلى الله تعالى وطاعة له، فهذه نية المعمول له أى قصد وجهه سبحانه وتعالى وهذه الأخيرة هي التي نغفل عنها كثيرا، فلا نستحضر نية التقرب، فالغالب أننا نفعل العبادة على أننا ملزمون بها، فننويها لتصحيح العمل، وهذا نقص ولهذا يقول الله تعالى عند ذكر العمل كما جاء فى سورة الرعد ” ابتغاء وجه ربهم” وكما جاء فى سورة الليل ” إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى” وإن النية قسمان فعليه موجودة، وحكمية معدومة، فإذا نوى المكلف أول العبادة، فهذه نية فعلية، ثم إذا ذهل عن النية، حكم صاحب الشرع بأنه ناوى ومتقرب، فهذه هي النية الحكمية، أي حكم الشرع لصاحبها ببقاء حكمها، لا أنها موجودة، وكذلك الإخلاص، والإيمان، والكفر، والنفاق، والرياء، وجميع هذا النوع من أحوال القلوب، إذا شرع فيها، واتصف القلب بها، كانت فعلية.

وإذا ذهل عنها، حكم صاحب الشرع ببقاء أحكامها، لمن كان اتصف بها قبل ذلك، وعكسه، حُكم له بالكفر والنفاق، وجميع مساوئ الأخلاق، وإن كان لا يستحضر منها شيئا عند الموت، ولا يتصف بها، بل يوم القيامة الأمر كذلك، مع أن أحدا لا يكون يوم القيامة مجرما، ولا كافرا ولا عاصيا، بل معناه يكون محكوما له بالإجرام كما يحكم لغيره بالإيمان، وأما عن النية شرط أم ركن؟ فإن هذا مما وقع الخلاف بين الفقهاء فيه، فمنهم من يرى أنها شرط، ومنهم من يرى أنها ركن، والفرق بين الشرط والركن هو أن الشرط يكون سابقا للمشروط، والركن جزء من أجزائه، وبعض الفقهاء يقول إن ذكر النية في أول الوضوء، أو في أول الفعل يعتبر شرطا، واستصحاب حكم النية في أثناء الفعل يعتبر ركنا، أما جمهور الحنابلة فيقولون إن ذكر النية في أول العبادة شرط.

واستصحاب حكمها أيضا شرط، وإذا تقرر لنا أن النية تسبق الفعل، فإنها تكون حينئذ شرطا، وأما النية المقارنة للفعل، فإنها ركن في العبادة، وقد اتفق العلماء على أن القلب محل النية وموضعها، وجعلوا ذلك شرطا في النية، فمحلها القلب في كل موضع لأن حقيقتها القصد مطلقا، وقيل القصد المقارن للفعل، وذلك عبارة عن فعل القلب، وقال البيضاوى “النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا من جلب نفع، أو دفع ضر، حالا أو مآلا والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل، لابتغاء رضا الله تعالى وامتثال حكمه” وقال ابن قدامة “ومحل النية القلب إذ هي عبارة عن القصد، ومحل القصد القلب” وسبب كونها في القلب في جميع العبادات هو أن النية الإخلاص، ولا يكون الإخلاص إلا بالقلب، أو لأن حقيقتها القصد مطلقا.

والحاصل أن في الكلام عن محل النية أَصلين وهما الأصل الأول أنه لا يكفي التلفظ باللسان دون القلب لقول الله عز وجل ” وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين” والإخلاص ليس فى اللسان، وإنما هو عمل القلب، وهو محض النية، وذلك بأنْ يقصد بعمله الله تعالى وحده، ولقوله صلى الله عليه وسلم “إِنما الأعمال بالنيات، وإِنما لكل امرئ ما نوى” ويتفرع عن هذا الأصل أنه لو اختلف اللسان والقلب، فالعبرة بما في القلب، فلو نوى بقلبه الوضوء، وبلسانه التبرد، صح الوضوء، ولو نوى عكسه، لا يصح، وكذا لو نوى بقلبه الظهر، وبلسانه العصر، أو بقلبه الحج، وبلسانه العُمرة، أو عكسه، صح له ما في القلب، وأما عن الأصل الثانى أنه لا يشترط مع نية القلب التلفظ في جميع العبادات، فلا معتبر باللسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.