بقلم / محمـــد الدكـــروري
إنك إذا أمعنت النظر في كتاب الله سبحانه وتعالي رأيته القانون الشامل والتشريع الكامل الذي ضمن للفرد حقوقه وحريته، وحدد له واجباته العامة والخاصة لله ولنفسه ولأسرته ولوطنه وللعالم كله، وضمن للأسرة سعادتها وهناءتها ببنائها على أفضل الأسس وأدق القواعد النفسية الاجتماعية، ووصف أحسن العلاج لما يطرأ على الأسر من عوامل الانحلال والفناء، مع بيان أفضل الوسائل في توثيق الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة على أساس تقدير الجميل والتعاون على الخير ووضع للأمة بعد ذلك أحكم النظم التي تبين صلة الحاكم بالمحكوم وتجعل الأمر شورى والناس سواسية، لا يتفاضلون إلا بأعمالهم، ولا يتفاوتون إلا بحقهم، ثم تفي على ذلك ببيان الصلة بين الأمم بعضها ببعض.
ووجوب تعاون بني الإنسان علي خير البشرية العام، والرقي بمستواها إلى نهاية ما قدر لها من الكمال الممكن، كل ذلك عرض له القرآن الكريم في لفظ بليغ وإيجاز محكم وجاءت السنة المطهرة ففصلت مجمَلَه، وحددت مطلقه، واستقصت جزئياته، فكان تشريع الإسلام وهو ثمرة البادية وليد الصحراء وابن الفيافي القاحلة أدق تشريع وأكمله وأوفاه وأصلحه، مع سموه عن النقد وتجافيه عن الخطأ، فقال تعالي في سورة آل عمران ” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين” وإن المرأة اليوم أصبحت بين شيئين فإنها بين تكريم الإسلام وعبث اللئام، وإن الناظر إلي الأوضاع الحالية بعين الحقيقة، في كثير من المجتمعات الإسلامية، ليدرك أنه في خضمّ المتغيرات الاجتماعية.
وفي ظل تداعيات النقلة الحضارية، فما تبثه القنوات الفضائية، وتلفظه الشبكات العنكبوتية وتلقيه الصحف المعلوماتية، من سيل جارف عن دين الله صارف، وطوفان من الكلمات اللاذعة والاتهامات القارعة، التي تستهدف الإسلام وأهله، لهو موجه إلى الإسلام غي كل مكان اليوم، فهي تريد النيل من الثوابت الثابتات وزعزعة الأسس الراسيات، في معركة تقصد المسلمين والمسلمات، لتغيير مفاهيمهم وتغريب معتقداتهم، مما يؤكد أهمية تمسك الأمة بنور الوحي وهداياته، وعمومات الشرع وكلياته، ومقاصده العظمى ودلالاته، ممن يريدون خرق صفها وثلمة وحدتها وتفريق كلمتها، فإن لم تتمسك الأمة بدستورها، وتتحصن بدينها وإلا أصبحت متفرقة مبعثرة، متخبطة متعثرة.
وإن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة له صور متعددة في جميع المجالات ويظهر ذلك من خلال واقعها وحالها في الجاهلية وبضدها تتميز الأشياء، ففي الجاهلية لم يكن للمرأة حق الإرث، وكانوا يقولون في ذلك لا يرثنا إلا من يحمل السيف، فجاء الإسلام فرفع شأن المرأة في هذا الجانب وأقر لها حقا في الميراث زوجة وأما وبنتا وأختا فقال الله تعالى في سورة النساء ” للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا” ولم يكن للزوجة صداق ولا مهر عند بعض القبائل في الجاهلية بل كان يشتري الزوج زوجته إذا دفع ثمنها لأبيها، كما تشترى البهيمة، فجاء الإسلام فأبطل ذلك وجعل لها مهرا وصداقا من حقها لا يأخذ أحد منه شيئا إلا بطيب نفس منها.
فقال الله تعالى كما جاء في سورة النساء ” وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا” ولم يكن للمرأة على زوجها أي حق، وليس للطلاق عدد محدود، وليس لتعدد الزوجات عدد معين، وكانوا إذا مات الرجل، وله زوجة وأولاد من غيرها، كان الولد الأكبر أحق بزوجة أبيه من غيره، فهو يعتبرها إرثا كبقية أموال أبيه، فجاء الإسلام فرفض ذلك وأبطله وفرض لها حقوقها ونظم وضعها في الطلاق والزواج والعدة بطريقة تحفظ كرامتها وعفتها وطهارتها، وكان العرب في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا، ويأخذون أجورهم فجاء الإسلام، فأنكر ذلك ونهى عنه واستقبحه، فقال تعالى كما جاء في سورة النور ” ولا تكرهوا فتياتكم علي البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا”