بقلم/ محمـــد الدكـــرورى
إن الأموال والأولاد هما اختبار وامتحان في الدنيا، فقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابة الكريم فى سورة الأنفال ” اعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ” فهذا تنبيه على الحذر من الخيانة التي يحمل عليها المرء حب المال، وهي خيانة الغلول وغيرها، فتقديم الأموال لأنها مظنة الحمل على الخيانة في هذا المقام، وعطف الأولاد على الأموال لاستيفاء أقوى دواعي الخيانة فإن غرض معظم الناس في جمع الأموال أن يتركوها لأبنائهم من بعدهم، وقد جعل نفس الأموال والأولاد فتنة لكثرة حدوث فتنة المرء من جراء أحوالهما، مبالغة في التحذير من تلك الأحوال وما ينشأ عنها، فكأن وجود الأموال والأولاد نفس الفتنة.
وعطف قوله سبحانه وتعالى ” وأن الله عنده أجر عظيم ” على قوله تعالى ” أنما أموالكم وأولادكم فتنة ” للإشارة إلى أن ما عند الله من الأجر على كف النفس عن المنهيات هو خير من المنافع الحاصلة عن اقتحام المناهي لأجل الأموال والأولاد، ونعوذ بالله من الفتن، ولكن يجب علينا أن نعلم أن الفتنة ليست مذمومة في ذاتها، لأن معناها اختبار وامتحان، وقد يمر الإنسان بالفتنة وينجح، كأن يكون عنده الأموال والأولاد، وهم فتنة بالفعل فلا يغره المال، بل إنه استعمله في الخير، والأولاد لم يصيبوه بالغرور بل علمهم حمل منهج الله، وجعلهم ينشؤون على النماذج السلوكية في الدين، لذلك فساعة يسمع الإنسان أي أمر فيه فتنة فلا يظن أنها أمر سيئ.
بل عليه أن يتذكر أن الفتنة هي اختبار وابتلاء وامتحان، وعلى الإنسان أن ينجح مع هذه الفتنة، فالفتنة إنما تضر من يخفق ويضعف عند مواجهتها، ومن يغتر بالمال أو الأولاد في الحياة يأتي يوم القيامة، ويجد أمواله وأولاده حسرة عليه، لماذا؟ لأنه كلما تذكر أن المال والأولاد أبعداه عما يؤهله لهذا الموقف فهو يعاني من الأسى ويقع في الحسرة، فنجد أن حب الولد قد يحمل الوالدين على اقتراف الذنوب والآثام في سبيل تربيتهم والإنفاق عليهم وتأثيل الثروة لهم، وكل ذلك قد يؤدي إلى الجبن عند الحاجة إلى الدفاع عن الحق أو الأمة أو الدين، وإلى البخل بالزكاة والنفقات المفروضة والحقوق الثابتة، وإن ففتنة الأولاد أكثر من فتنة الأموال، فالرجل يكسب المال الحرام.
ويأكل أموال الناس بالباطل لأجل الأولاد، فيجب على المؤمن أن يتقي الفتنتين، فيتقي الأولى بكسب المال من الحلال وإنفاقه في سبيل البر والإحسان، ويتقى خطر الثانية من ناحية ما يتعلق منها بالمال ونحوه، وإن الأموال والأولاد قد تقعد الناس عن الاستجابة خوفا وبخلا، والحياة التي يدعو إليها الإسلام حياة كريمة، لا بد لها من تكاليف، ولا بد لها من تضحيات، لذلك يعالج القرآن الكريم هذا الحرص بالتنبيه إلى فتنة الأموال والأولاد، فهي موضع ابتلاء واختبار وامتحان، وبالتحذير من الضعف عن اجتياز هذا الامتحان، ومن التخلف عن دعوة الجهاد وعن تكاليف الأمانة والعهد، واعتبار هذا التخلف هو خيانة لله والرسول صلى الله عليه وسلم.
وخيانة للأمانات التي تضطلع بها الأمة المسلمة في الأرض، وهي إعلاء كلمة الله تعالى، وتقرير ألوهيته وحده للعباد، والوصاية على البشرية بالحق والعدل، ومع هذا التحذير والتذكير بما عند الله تعالى، من أجر عظيم يرجح الأموال والأولاد، التي قد تقعد الناس عن التضحية والبذل لدين الله عز وجل.