دونالد ترامب في نسخة 2024-2028

د. محمود محمد علي

 

في سنة 1893 كان الرئيس الأمريكي جروفر كليفلاند أول رئيس للولايات المتحدة يعود إلى البيت الأبيض بعد خروجه منه لفترة رئاسية كاملة ، وفي عام 2024 كرر دونالد ترامب هذا الحدث مرة أخرى في تاريخ الولايات المتحدة ليصنع تاريخا جديدا .
ترامب قاد حملة انتخابية هي الأطول في تاريخ الحملات الرئاسية لأنها بدأت بالفعل من تاريخ إعلان خسارته للانتخابات في 2020 أمام جوبايدن ومن يومها وحتى إعلان فوزه وهو يخوض معارك ضارية أصعبها على الإطلاق من وجهة نظري هي معركته ضد المشككين في إمكانية عودته مرة أخرى إلى البيت الأبيض .
هذه المرة عودة ترامب تكون لها تبعات كبيرة وخطيرة ، أقلها أنه أصبح الان مفوضا بشكل صريح بإجراء تغييرات راديكالية ، حيث نجد الولايات المتحدة منذ لحظة صعود ترامب الثانية ستتغير تغييرا تاما ، فالحملة الانتخابية التي قادها ترامب كانت عدوانية ومسببة للانقسام لأنه كان حريصا على أن يصدر من خلالها كل ما يستطيع من التخويف لخصومه بفكرة عودته مرة أخرى .

الحملة في معظمها كانت عبارة عن تهديد اخصوم الداخل وللين ولأوربا وللمكسيك والاقتصاد العالمي وللقوى المتحاربة في العال م، حيث عاد ترامب إلى البيت الأبيض بوعود من شأنها أن تقلب النظام الحاكم في الولايات المتحدة رأسا على عقب ، وتحطم التحالفات العالمية وتعيد تشكيلها مرة أخرى وتسبب المزيد من الإهتراء للمنظومة السياسية في الولايات المتحدة .

بهذا الانتصار الذي حققه ترامب على هاريس نائبة الرئيس بايدن أكد ترامب وجهة نظره في أنه رجل أعاد تشكيل السياسة الأمريكية ، وعندما رشح ترامب قد رشح نفسه في المرة الأولى في انتخابات 2016 كان الكلام مستحيل أن يفوز أصلا ، ولما فاز تعامل النظام السياسي الأمريكي على أساس أن ذلك يمثل خطأ تاريخي مؤقت ولن يحدث مرة أخرى.
بيد أن عوده ترامب للمرة الثانية تقول أنه كان مصيبا ، فهذا الرجل حقا قد غير المشهد السياسي الأمريكي ، وذلك لأنه قد أعاد تشكيل الحزب الجمهوري من خلال إعداة تنظيم بعض الكتل التصويتية التقليدية ، والحزب نفسه طبيعته قد تغيرت ، واتستقه الايديولوجي قد اختلف ؛ بل يمكننا القول أيضا بأن الخريطة الانتخابية قد تغيرت خصوصا في نسب الانحيازات السياسية للجنسين .

وفي هذا المقال نقول كيف أن فوز ترامب في هذه المرة سيعيد تشكيل الولايات المتحدة وربما يعيد تشكيل العالم كله .
وهنا أقول : من كان يتوقع كل ذلك عندما أعلن ترامب في صيف 2015 أنه شيرشح نفسه للرئاسة ؟ .. ومن كان يتوقع أنه سيفوز؟ .. اعتقد لا أحد !.. وفي المرة الثانية أظن أن عدد من توقعوا فوزه كان أقل من توقعوا فوزه في المرة الأولى ، ومع ذلك فالرجل تمكن من أن يشق طريقه في منتهى السلاسة لترشيح الحزب الجمهوري له .
وفي يوليو 2024 تعرض ترامب لمحاولة اغتيال برصاصة كان بينها وبين أن تودي بحياته مليمترات ، والحقيقة أنه قد تعامل مع تلك الحادثة في منتهى الذكاء ، واستطاع أن يترجمها فوريا إلى موجة هائلة من تعاطف الجماهير معه ، والرسالة بسيطة جدا ، حيث إن حال ترامب يقول للشارع الأمريكي :” أنا رجل شجاع لمجرد أنني قد رشحت نفسي ، وأنا أحمل روحي على كفي من مصالحك أيها الناخب .. أنا ليس لدى أي مصلحة شخصية ، بل أنا أضحي أمامك بأغلى مصلحة شخصية وهي حياتي ” .

القاعدة المؤيدة لترامب ظلت على نفس الحماس من التأيدي له ، حيث إنها كتلة صلبة لم تظهر عليها أي علامة من هلامات الانشقاق ، ولما بدأت الانتخابات العامة استطاع ترامب من أن يضيف مؤيدين جدد لكتلته ، ومن ضمنهم عدد كبير من السود وذوي الأصول اللاتينية ؛ خصوصا من الشباب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.