المؤمن الحق هو من يؤتمن

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الأحد الموافق 6 أكتوبر 2024

الحمد لله الذي امتن على عباده بالأسماع والأبصار وكرم الإنسان ورفع له المقدار، واصطفى من عباده المتقين الأبرار، فوفقهم للطاعات وصرفهم عن المنكرات وأعدّ لهم عقبى الدار، أحمده سبحانه فهو الذي خلق المنطق واللسان، وأمر بالتعبد وذكر الرحمن ونهى عن الغيبة ومنكر البيان، فسبحانه من إله عظيم يحصي ويرقب ويرضى ويغضب، وينصب الميزان، يوم تنطق الجوارح وتبين الفضائح، فإذا هم قد أحصيت أعمالهم، وهتكت أستارهم وفشت أسرارهم ونطقت أيديهم وأرجلهم، فأشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده المصطفى ونبيه المجتبى ورسوله المرتضى الذي لا ينطق عن الهوى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين أما بعد، إن الأمانة هي القيام بالواجبات، وأداء الحقوق، وإتقان الأعمال، وحفظ الودائع.

وهي شاملة لجميع مجالات حياة الفرد تجاه نفسه ودينه، وأسرته ووظيفته، ومجتمعه ووطنه، فهي الرابطة بين الناس في أداء الحقوق والواجبات، ولا فرق بين حاكم وموظف وصانع وتاجر وزارع، ولا بين غني وفقير وكبير وصغير، فهي شرف الغني، وفخر الفقير، وواجب الموظف، ورأس مال التاجر، وسبب شهرة الصانع، وسر نجاح العامل والزارع، ومفتاح كل تقدم بإذن الله، ومصدر كل سعادة ونجاح بفضل الله، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن خائن الأمانة سوف يعذب بسببها في النار، وتكون عليه خزيا وندامة يوم القيامة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة” رواه البخاري، فالمؤمن الحق من اؤتمن على مال فحفظه، أو على سر فكتمه، أو على عرض فصانه، أو على حق فوفاه.

فالمؤمن الحق من يرعى أمانة ربه، فلا يهمل أمره، ولا يرتكب نهيه، ولا يغيّر قوله، ولا يبدل شرعه، ولا شك أن من هذه صفته فهو عن نفسه راض، والناس عنه راضون، والله تعالى يشمله برحمته وإحسانه فإنه لا يضيع أجر المحسنين، ولقد أصبحنا اليوم ومع الأسف الشديد نبحث عن التاجر الأمين، والعامل الأمين، والطبيب صاحب الأمانة، والبائع الذي يتعامل بالأمانة، والموظف والمعلم والمقاول، والضابط والصيدلي والمهندس، وغير ذلك فلا نجد إلا القليل، فالأمانة أصبحت عملة نادرة بسبب الغفلة عن الآخرة، وحب الدنيا والبعد عن الدين وتعاليمه، وعدم إدراك خطورة ضياع الأمانة في حياة الناس، وإن مجتمعا يفقد هذه الصفة الشريفة لهو من أفسد المجتمعات، ويكون ذلك في آخر الزمان.

إذ إن الأمانة موجودة في الناس عن طريق الفطرة والوحي، ثم تقبض منهم لسوء أفعالهم، فتزول الأمانة من القلوب شيئا فشيئا، فإذا زال أول جزء منها زال نوره وخلفه ظلمة، ثم إذا زال الجزء الثاني خلفه ظلمة أشد من الظلمة التي قبلها، ويصبح الأمين بعد ذلك غريبا في الناس، حتى يمدح من لا خير فيه ولا إيمان، وقد حذر النبي من زمن تقلب فيه الحقائق وتزوّر الوقائع، وتغيّر العناوين، فقال “سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدّق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة” قيل وما الرويبضة؟ قال “الرجل التافه يتكلم في أمر العامة” رواه ابن ماجه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.