بقلم / محمـــد الدكـــروري
السبت الموافق 5 أكتوبر 2024
الحمد لله ذي الجلال والإكرام حي لا يموت قيوم لا ينام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الحليم العظيم الملك العلام، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام والداعي إلى دار السلام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، ثم أما بعد، إن من العوامل العسكرية المعنوية هو الإيمان وقوة العقيدة، وعوامل مادية، وذكر الله تعالي، وطاعة الله ورسوله المصطفي صلي الله عليه وسلم، وطاعة ولي الأمر أو القائد، والإتحاد وعدم التنازع والفرقة، والصبر وتحمل المشاق، والنهي عن الغرور والبطر، وإن من العوامل العسكرية المادية التي تأتي بالنصر هو الإعداد الجيد والتدريب الدائم للجند، والأخذ بأحدث أساليب العصر مما يستحدث، وتطوير وتصنيع الصناعات الثقيلة.
وكما أن القيادة المؤمنة الواعية فهي ترتكز على عدم الإستئثار بأي خير دون الجند، وعدم التعالي على أحد منهم، والتشاور معهم والأخذ برأيهم أن كان صوابا، وحسن الإختيار لمن يكلف بالمهام، والإجتهاد في كشف خطة العدو وهو الإستطلاع الجيد، والحذر والحيطة وكتمان الخطة، وسرعة الحركة والتعجيل في أتخاذ القرار، فإن النصر من عند الله تعالى، فقال الله عز وجل ” والله يؤيد بنصره من يشاء” وكما قال تعالى “وما النصر إلا من عند الله” وكما قال تعالى “بل الله مولاكم و هو خير الناصرين” وكما قال تعالى “إن ينصركم الله فلا غالب لكم و إن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده” وإن الناظر بتدبر في هذه الآيات يلحظ فيها أن النصر يأتي من عند الله تعالى، وأنه هو المانّ به على عباده المؤمنين، فلا قدراتهم ولا عددهم جالبة لهم نصرا على عدوهم.
ولا إعتداد بكل أسلحة المؤمنين إذا لم يرد الله تعالى لهم نصرا على عدوهم، فلو كان النصر آتيا بقوى العباد لما غلب المسلمون الضعفاء ظاهرا أمم الكفر التي ملكت من آلات القتال ما الله به عليم، ولو كان آتيا بإرادة البشر وأهوائهم لما حلت بمن أراد النصر من المسلمين وغيرهم الهزائم ولما انتصر عليهم العدو أيا كان العدو، فمتى رجي المؤمنون النصر من غير الله تعالى فياخيبتهم وياشؤم حالهم، وحين ترى أحوال المسلمين في المعارك التي إنهزموا بها ترى أن من أهم الأسباب تعلق النفوس في طلب النصر بغير الله تعالى، ولنعتبر غزوة حنين فإن الهزيمة التي حصلت لهم إنما هي بسبب إغترارهم بقوة أنفسهم حيث قالوا “لن نغلب اليوم من قلة” وقال ابن القيم رحمه الله في مسرده الفوائد المأخوذة من تلك الغزوة.
وإقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولا مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عددهم وعددهم ، وقوة شوكتهم، وليبيّن سبحانه لمن قال ” لن نغلب اليوم من قلة” أن النصر إنما هو من عنده، وأنه من ينصره فلا غالب له، ومن يخذله فلا ناصر له غيره، و أنه سبحانه هو الذي تولى نصر رسوله ودينه، لا كثرتكم التي أعجبتكم فلم تغني عنكم شيئا، فوليتم مدبرين” وهذا الذي حصل إنما هو من طائفة عمرت قلوبهم بالتوكل على الله تعالى والتعلق به لكن لما إنصرف القلب إنصرافا قليلا لغير الله تعالى عوقبوا بما ذكر الله تعالى بقوله تعالي ” لقد نصركم الله في مواطن كثيرة و يوم حنين إذ أعجبتكم قوتكم فلم تغن عنكم شيئا” فكيف الحال بمن بعدهم ممن إنصرفت قلوبهم لغير الله اصرافا كليا، والله المستعان.