بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد لقد ورد عن السلف رحمهم الله أقوال تبيّن أهمية هذه العبادة في حياة المسلم، منها هو ما فارق الخوف قلبا إلا خرب، الخائف هارب من ربه إلى ربه، ولا يمحو الشهوات إلا خوف مزعج، أو شوق مقلق، وأن التقوى تتولد من الخوف، وأصل كل خير الخوف من الله تعالي، وإذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها، وصدق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرا وباطنا، وإن من خاف الله، خاف منه كل شيء، ومن لم يخف الله، خاف من كل شيء، والخوف من الله جل جلاله من لوازم الإيمان خيث قال عز وجل ” فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين”
وقال العلامة السعدي رحمه الله وعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله، وقال العلامة ابن القيم رحمه الله الخوف علامة صحة الإيمان، وترحله من القلب علامة ترحل الإيمان منه، وقيل أنه قال المغيرة بن حكيم رحمه الله، قالت لي فاطمة بنت عبد الملك يا مغيرة، قد يكون من الرجال من هو أكثر صلاة وصياما من عمر، ولكني لم أري من الناس أحدا قط كان أشد خوفا من ربه من عمر، كان إذا دخل البيت ألقى نفسه في مسجده، فلا يزال يبكي ويدعو حتى تغلبه عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع ” وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لقد نغص هذا الموت على أهل الدنيا ما هم فيه من غضارة الدنيا وزهوتها، فبينا هم كذلك وعلى ذلك أتاهم جاد من الموت، فاخترمهم مما هم فيه، فالويل والحسرة هنالك لمن لم يحذر الموت ويذكره في الرخاء.
فيقدم لنفسه خيرا يجده بعدما فارق الدنيا وأهلها، قال ثم بكى عمر حتى غلبه البكاء فقام ” وقال عبد الله بن المفضل التميمي رحمه الله، وكان آخر خطبة خطبها الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز أن صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد ” فإن ما في أيديكم أسلاب الهالكين، وسيتركها الباقون كما تركها الماضون، ألا ترون أنكم في كل يوم وليلة تشيعون غاديا أو رائحا إلى الله تعالى وتضعونه في صدع من الأرض ثم في بطن الصدع، غير ممهد ولا موسد، قد خلع الأسلاب، وفارق الأحباب، وأسكن التراب، وواجه الحساب، فقير إلى ما قدم أمامه، غني عما ترك بعده؟ أما والله إني لأقول لكم هذا، وما أعرف من أحد من الناس مثل ما أعرف من نفسي، قال ثم قال بطرف ثوبه على عينه فبكى، ثم نزل فما خرج حتى أخرج إلى حفرته “
وقال عبد السلام مولى مسلمة بن عبد الملك رحمه الله، بكى عمر بن عبد العزيز فبكت فاطمة، فبكى أهل الدار لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلى عنهم العبر، قالت له فاطمة بأبي أنت يا أمير المؤمنين، مم بكيت؟ قال ذكرت يا فاطمة منصرف القوم من بين يدي الله عز وجل، فريق في الجنة، وفريق في السعير، قال “ثم صرخ وغشي عليه” وكان السلف رضي الله عنهم دائمي الخوف من الله عز وجل، فكانوا مع إجتهادهم في طاعة الله عز وجل في غاية الخوف منه عز وجل، فهذا أبو بكر رضي الله عنه كان رجلا أسيفا حيث تقول السيدة عائشة رضي الله عنها إن أبا بكر رجل أسيف، إذا صلى لم يسمع الناس من البكاء، أي أنها أشارت بأن لا يصلي أبو بكر بالناس لكثرة بكائه وتأسفه إذا صلى، مع أنه سبق الصحابة رضي الله عنهم إلى طاعة الله عز وجل.
فهو رضي الله عنه “ثاني اثنين إذ هما في الغار ” من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويدا وتجيء الأول فكان رضي الله عنه إذا صلى لا يكاد يسمع الناس من البكاء، وكان يقول والذي نفسي بيده لوددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن.