بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الفظاظة ليست من ديننا الإسلامي الحنيف فقد قال تعالى “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المؤمنون هينون لينون” فحري بنا أن نتحمل جهل الجاهل، وفورة الغاضب، وحري بنا أن يغلب علينا خلق العفو والصفح والسماحة واللين، فما أحوجنا إلى الخلق الجليل في زمن بلغ فيه البغض غايته، ورفع فيه الحسد رايته، ما أحوجنا إلى السهولة واليسر، والسماحة والتجاوز، حتى نعيش في هذه الدنيا بهناء، ونكون يوم القيامة سعداء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من كان سهلاً لينا هينا حرمه الله على النار” وقال صلى الله عليه وسلم” ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غدا، على كل لين قريب سهل” وإن خلق السماحة ولين الجانب، ليس خلقا يمكن أن يدعيه كل أحد، إن الادعاء سهل لكن الحقائق تكذب ذلك أو تصدقه.
وإن السماحة لا تعني الخور والضعف، ولا المهانة والاستكانة كما يظن بعض الناس، كلا، بل هي خلق عال ينبئ عن صفاء في القلوب، ووثوق بالنفس، وصدق في التعامل، ولقد خلط الناس في مفهوم السماحة وظن بعضهم أن هناك أموراً تنافيها وهي من لبابها، بل هي مفاتح بابها، وأما عن المقاطعة أو الحصار فيمكن تعريف المقاطعة بأنها عبارة عن نبذ جماعي ومنظم، يطبق في الأمور العمالية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية للاحتجاج على الممارسات التي تعتبر ظالمة، وتستخدمها منظمات العمل عادة، من أجل تحسين الأجور، وظروف العمل من الإدارة، وقد تمارس المقاطعة من قبل إحدى الدول، أو مجموعة منها، أو إحدى المنظمات العالمية للتأثير أو الاحتجاج على سياسات دولة أخرى، وقد تعني المقاطعة رفض المشاركة في اجتماعات معينة.
مثل مقاطعة ممثل دولة ما لإحدى المؤتمرات، أو الدعوات الدولية للإشارة إلى عدم الموافقة على السياسة، أو السلوك السياسي لدولة أخرى، ولقد حاول كفار قريش صد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشتى الوسائل والأساليب وكلها لم تجد نفعا، فقرروا أن يقاطعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقاطعة كل من هو من قبيلته من بني هاشم، وكانت الأسباب الداعية لهم لهذه المقاطعة، هو انتشار الإسلام بين القبائل بشكل كبير، وتم مساومة قريش لأبي طالب لثني ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم عن دعوته، ولكن هذه المحاولة لم تنجح، وأيضا من الأسباب هو دخول قامات كبيرة من قريش في الإسلام، وهم عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما، وكذلك هجرة المسلمين إلى الحبشة، وتعهد ملكها النجاشي بحمايتهم.
ما زاد من قلقهم لاتخاذ المسلمين بلدا يأمنون فيه على أنفسهم، فرض الحصار وصك صحيفة المقاطعة قرر كفار قريش اتخاذ هذه العقوبة الجديدة من نوعها، وهي فرض الحصار على المسلمين وتجويعهم، فابتدأت المقاطعة لأفراد بني هاشم ومن أسلم في السنة السابعة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فكتبوا صحيفة فيها قرارات جائرة بحق المسلمين، وختموا عليها بأختامهم، واختاروا مكانا لتعليقها عليه، وهو جوف الكعبة بسبب احترامهم وتقديسهم لهذا المكان، ولتأخذ الصحيفة طابعا مهما لا يخرج عنها أحد، بل يلتزم الجميع بها ويوفي ما جاء بها، وقد نصت صحيفة مقاطعة بني هاشم على منع الزواج من المسلمين ومن هو معهم في الشعب أو تزويجهم، ومنع البيع والشّراء لمن هم في الشعب، ووقف التجارة معهم، وقف التزاور فيما بينهم.
ولا دخول بيت أحد منهم، ومنع مخالطتهم ومجاسلة أحد منهم بأي شكل كان، وإن المتأمل في بنود الوثيقة أو الاتفاقية أو المعاهدة الخاصة بالحصار والمقاطعة، يجد ان قريشا قد احكمت البنود بعناية شديدة وعميقة، ولم تدع ثغرة يمكن النفاذ من خلالها مما يؤكد أنها وُضعت بعد مداولات ومشاورات على نطاق واسع وشاركت في وضعها عقول مفكرة امتزجت معها خبرات عديدة وحبكها ذكاء مفرط، ولم تكن مجرد رد فعل قريش على تحالف بني هاشم وبني المطلب، لحماية النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لماذا كان بند النهي والمنع عن الزواج أو التزويج من بني هاشم وبني المطلب لأن الزواج فيه تواصل وتزاور، وتآلف، وتآزر ولو بقي متاحا لهم حتما سيؤدي الى افشال الحصار، ولماذا كان بند عدم مجالستهم ومخالطتهم والحديث معهم ؟
ذلك لتفويت أي فرصة في التحادث مع المحاصرين، وعدم اعطاءهم فرصة لعرض آراءهم ووجهات نظرهم، فقد يستطيع المحاصرون مسلمهم وكافرهم اقناع أهل الصحيفة او جزءا منهم بضرورة فك الحصار لأن المسلمين بما لديهم من وحي نازل من السماء على رسوله صلى الله عليه وسلم وبما لديهم من حق يمتلكون الأدلة عليه بما يستطيعوا به اقناع الاخرين لذلك اقفلت قريش هذا الباب عليهم.