الدكروري يكتب عن إنتكاس القلب وسلب الإيمان

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله مدبر الشهور والأعوام ومصرف الليالي والأيام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام أما بعد إنه لما وقرت هذه الحقيقة وهي حقيقة الدنيا الفانية وحقيقة الموت الآتية في نفوس القوم اشتد خوفهم من الحور بعد الكور ومن الغواية بعد الهداية وأصبحوا يخافون على دينهم أشد الخوف ويفرقون من إنتكاس القلب وسلب الإيمان، ويتراءون النفاق عدوا قريبا غادرا يوشك أن يوقع بهم، فعظم خوفهم وقلقهم منه، كما قال الإمام البخاري رحمه الله قال ابن أبي مليكة رحمه الله أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، وقال الجعد قلت لأبي رجاء العطاردي.

هل أدركت من أدركت من إصحاب النبي صلي الله عليه وسلم يخافون النفاق؟ قال نعم شديدا نعم شديدا، وإني أدركت منهم بحمد الله صدرا حسنا، وكان قد أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل إن عمر رضي الله عنه نفسه، كان يسأل حذيفةَ صاحب سر رسول الله صلي الله عليه وسلم فيقول يا حذيفة هل عدني رسول الله صلي الله عليه وسلم من المنافقين؟ وعلى هذا المنهاج سار التابعون لهم بإحسان، وهذا أحد ساداتهم وهو الحسن البصري رحمه الله يقول عن النفاق “ما خافه إلا مؤمن وما أمنه إلا منافق” وعن المُعلى بن زياد قال سمعت الحسن رحمه الله يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلا هو ما مضى مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق مشفق، أي خائف، وهذا صنوه الإمام الجليل محمد بن سيرين يصف حاله.

فيقول ما عليّ شيء أخوف من هذه الآية “ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين” وقال أيوب كل آية في القران فيها ذكر النفاق فإني أخافها على نفسي، وكان سفيان الثوري رحمه الله، يشتد قلقه ويبكي ويقول أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا، وكان يقول أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت، وقال الحسن إن القوم لما رأوا النفاق يغول الإيمان لم يكن لهم همّ غير النفاق، وقال الإمام ابن رجب رحمه الله في شرح باب خوف المؤمن أن يحبط عمله من صحيح البخاري�وأصل هذا يرجع الى ما سبق ذكره من أن النفاق أصغر وأكبر، فالنفاق الأصغر هو نفاق العمل وهو الذي خافه هؤلاء على أنفسهم وهو باب النفاق الأكبر، فيُخشى على من غلبت عليه خصال النفاق الأصغر في حياته، أن يخرجه ذلك الى النفاق الأكبر.

حتى ينسلخ من الإيمان بالكلية، كما قال تعالى “ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون” وقال رحمه الله تعالى في شرح الأربعين “فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر، فإن دسائس السوء توجب سوء الخاتمة” ومن هنا كان واجبا على من عظّم ربه أن ينزّه دينه عما ينقصه أو يحبطه لا سيما ما يكون من خصال النفاق وهي مشهورة مذكورة في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص المتفق عليه “أربع من كان فيه كان منافقا، وإن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها من إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.