الدكروري يكتب عن أسباب الضيق والمشقات

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن بالرحمة تجتمع القلوب، وبالرفق تتآلف النفوس، والقلب يتبلد مع اللهو الطويل والمرح الدائم، لا يشعر بحاجه محتاج، ولا يحس بألم متألم، ولا يشاطر في بؤس بائس ولا حزن محزون، وإن طبيعة الدنيا لا تتخلص أفراحها من أحزانها ولابد لكل فرحة من ترحة ومن ألم، إما سابق وإما مقارن وإما لاحق فالدنيا ليست دار مقام وإنما هي دار ابتلاء ولابد في هذه الحياة من مشاق يعانيها الإنسان في كل أمر يستقبله فلا يدرك شيئا منها إلا بعناء ومشقة تختلف هذه المعاناة وتلك المشقة من شخص إلى آخر إلا أن الجميع لابد وأن يناله من البلاء والعناء ما يتحقق به قول الحق سبحانه وتعالى ” لقد خلقنا الإنسان فى كبد ” وإنه عندما تضيق بالإنسان الكروب وتحيط به الشدائد فلابد له من سبيل يخرج به من ذلك الضيق وينال به سعة وفرجا، ولابد له أن يعرف أسباب ذلك وأن يحيط بمفاتيح الفرج.

التي بها يدرك الخروج من المضايق وينال ما يؤمل من سعة الدنيا وراحتها فالدنيا ألوان وصنوف والله تعالى نوّع فيها البلاء بين شدة ورخاء، صحة ومرض، غنى وفقر، ضيق وسعة، أمن وخوف، والناس يتقلبون في ذلك كله بين عدل الله تعالى وفضله وهم مختبرون في كل أحوالهم، مختبرون في الصحة كما هم مختبرون في المرض، مبتلون بالغنى كما هم مبتلون بالفقر، يرى الله تعالى ما هي عليه حالهم من الأمانة والصدق في الشدة والضيق وفي الرخاء والسعة، فأروا الله عز وجل من أنفسكم خيرا واعرفوا كيف تتعاملون معه جل في علاه في شدتكم ورخائكم, كونوا عباد لله في كل أحواله تنالوا منه ولاية يكون بها سمعكم الذي تسمعون به وبصركم الذي تبصرون به ويديكم التي بها تبطشون ورجلكم التي تنتقلون، ولئن استنصرتموه نصركم.

ولئن استعذتموه أعاذكم، كان الله لكم في كل شعركم إذا كنتم على ما يحب في كل شأنكم، فإذا اشتدت الأمور وضاقت الحياة وتكالبت على الإنسان المحن فاعلم أن الناس في ذلك على أحوال منهم القانطون الآيسون المتضجرون الجزعون فهؤلاء لا ينالون خيرا ولا يصيبون أجرا بل هم في شقاء وعناء في الحال والمآل, وقسم يُوفقون إلى الصبر ويطلبون من الله تعالى مفاتيح الفرج ويلجؤون إليه جل في علاه ليخرجوا من ضيق إلى سعة ومن فقر إلى غنى ومن شدة إلى رخاء ومن مرض إلى صحة ومن ضيق حال إلى سعة وبر، وإن القلب مثل المرآة الصافية يؤثر فيها ادنى شيء، وإن القلب عُرضة للفتن فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب انكرها نكتت فيه نكتة بيضاء.

حتى تعود القلوب على قلبين، قلب أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما اشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض” رواه مسلم، فالقلب الأول يصاب بمرضين خطيرين هما أنه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا وربما اشتبه عليه المعروف بالمنكر، والمنكر بالمعروف وأصبحت السنة بدعة والبدعة سنة والحق باطلا والباطل حقا، وهذا هو قلب المنافق وهو أشر قلوب الخلق، وكذلك تحكيمه هواه وانقياده للهوى، وأما القلب الثاني فهو قلب عرف الحق وقبله واحبه وآثره على غيره، فهو قلب قد أشرق فيه نور الإيمان وهو ينكر فتن الشهوات والشبهات ولا يقبلها البتة، وإن الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فقد تكون صورة العملين واحدة كالصلاة مثلا وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض.

والسبب أن الأول مقبل بقلبه على ربه والقلب الثاني هو سارح في هذه الدنيا بعيدا غافلا عن الله تعالى، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلمٍ يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة” رواه مسلم، إذا إن العبرة بأعمال القلوب لا بأعمال الجوارح، ويقول الله تعالى فى كتابه العزيز فى سورة الملك ” الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ” وهنا قال الله عز وجل، أحسن عملا ولم يقل أكثر عملا، ولهذا كان الصالحون من هذه الأمة لا يهتمون بكثرة العمل، وعلى هذا الأصل فإن”عبودية القلب اعظم من عبودية الجوارح” وإن القلب هدف للشيطان، لما علم الشيطان أن مدار النجاة على القلب أجلب عليه بالوسواس والشهوات والشبهات وزيّن له الباطل ونصب له المصايد والحبائل حتى يفسد هذا القلب.

ويجعله بعيدا عن ربه ومولاه غارقا في بحر الفتن، وإن أمراض القلب خفية وإهمالها يؤدي إلى الهلاك مثل الرياء والعجب والكبر والشهرة وغيرها، وهذه امراض خفية قد لا يعرفها صاحب هذا القلب، وهذا قد يؤدي به إلى الهلاك، وهؤلاء قد اهتموا بالأعمال الظاهرة، وأهملوا أعمال القلوب ولم يراقبوا الله في خلواتهم، فعن سهل بن سعد الساعدي قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من اهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.