الدكروري يكتب عن أقبح ألوان الفساد

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وحجة الله على الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد، إن من أشد صور الإفساد وأقبح ألوانه وهو الإهمال فإن من الأمراض الاجتماعية التي أصابت حياتنا مرض الإهمال والتسيب واللامبالاة وهو يعني التقصير في الأعمال والتهاون في أدائها وعدم إتقانها، فكل ذلك إفساد بغير إصلاح، وإن ادّعوا أنهم مُصلحون فقد كذبهم الله تعالى فقال.

“أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار؟” لا يستويان، فينبغي أن نتعاون جميعا على محاربة الفساد، وأن نجعله قضية اجتماعية، فلا نجاة للعباد إلا إذا حاربوا الفساد، سواء اعتقادي أو فكري أو عملي، بكل صوره، ولذلك دعانا الإسلام إلى محاربة الفساد ومواجهته، وعدم السكوت عنه أو تبريره، فالتصدي له فيه نجاة للمجتمع كله، وإهماله وعدم التصدي له فيه الهلكة للمجتمع كله فإن البلاء إذا نزل يعم الصالح والطالح ويذكر القرآن العظيم أن الأمم السالفة لما فقدت الإصلاح ورفضت المصلحين، ونشرت الفساد وقربت المفسدين، عاقبهم الله رب العالمين بأن سلط عليهم آلام الهلاك، وسوء العذاب بما كسبت أيديهم، وينبغي ألا نجامل أحدا إذا رأينا مفسدا يستغل الوظيفة أو المؤسسة يحتال، يرتشي، أو يجامل، أو يسرق.

أو يفعل أي صورة من صور الفساد أن نبلغ عنه معذرة إلى الله سبحانه حتى لا ينزل بنا العذاب فعندما نسكت عن المفسدين ولا نبلغ عنهم ولا ننهاهم، ولا نرفع أمرهم ونتركهم ونسكت عنهم ونجاملهم فإن البلاء سينزل بنا جميعا فإن رأينا مفسدا، حتى لو كان من أكبر المسؤولين، فينبغي أن نبلغ عنه بعد أن نتثبت ونتأكد أنه مفسد في وظيفته، أو أنه مفسد في مؤسسته، أو أنه مفسد في مسؤوليته، فنكون ممن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” فينبغي علينا أن نحارب الفساد سرا وجهرا بجميع الصور وبجميع الوسائل، وأن لا نجامل، وأن نعد هذه كارثة ومصيبة فإذا نزل البلاء فإنه يعم الصالح والطالح، فالإفساد في الأرض له ضرر عظيم على البلاد والعباد.

وحتى على الحيوانات، والبر والبحر والطيور والدواب فكل يتضرر من إفساد العباد في الأرض، فقال أبو هريرة رضي الله عنه” والذي نفسي بيده إن الحبارى لتموت هزلا في وكرها بظلم الظالم ” والحبارى هو نوع من الطيور، وقال مجاهد رحمه الله، إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتد القحط، وأمسك المطر، وتقول هذا بشؤم معصية ابن آدم وفساده في الأرض، وقال عكرمة رحمه الله، إن دواب الأرض وهوامها، حتي الخنافس والعقارب يلعنون المفسد ويقولون مُنعنا القطر بذنوب بني آدم، لذلك تفرح الطيور والدواب والشجر بموت العبد الفاسد الفاجر، فقد قال صلى الله عليه وسلم “إذا مات العبد الفاجر استراح منه العباد والبلاد والشجر والدواب” رواه مسلم، وبإفسادهم هذا يحرمون محبة الله تعالى ومن حرم محبة الله شقي في الدنيا والآخرة، ولن يفلح لهم عمل.

ويقام عليهم حد الحرابة، وهذه العقوبة الشديدة للمفسدين في الأرض بجميع صور الفساد، ولقد جعل الله تعالى العاقبة الحسنى لمن ابتعد عن الفساد وكان أمينا مخلصا في هذه الحياة الدنيا، فالذين ابتعدوا عن الفساد بجميع صوره هم الذين لهم الدرجات العلى في الجنة، نسأل الله ألا يحرمنا ذلك، إن من رحمة الله تعالي بنا أن أخفى علينا أمراض القلوب، فلو أن القلوب انكشفت ورأى كل إنسان ما يضمره الآخر له، من حقد وعداوة وأمراض، ما دفن أحد أحدا، وقد جاء في الأثر ” لو تكاشفتم ما تدافنتم” ومن الفساد أيضا هو الفساد الإداري وذلك بتقديم ذوي الحسب أو الثقة أو صاحب المصلحة على الكفاءات في شتى مجالات المجتمع وهذا بلا شك يؤدي إلى فساد القوم وقد سُئل الإمام علي بن أبي طالب ما يفسد أمر القوم يا أمير المؤمنين ؟

قال “ثلاثة، وضع الصغير مكان الكبير، وضع الجاهل مكان العالم، وضع التابع في القيادة” وإن علاج ظاهرة الفساد والقضاء على هذه الظاهرة وسبل مواجهتها ينحصر في ثلاثة أمور رئيسية وهى التوجيه والإرشاد بخطر الفساد وعاقبة المفسدين، وذلك بكثرة التوعية والندوات عن طريق الدعاة والإعلام المرئي والمسموع والمقروء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.