بقلم / محمـــد الدكـــروري
الجمعة الموافق 5 إبريل 2024
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة” رواه مسلم، ويقول أيضا “إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها” رواه مسلم، ولقد كان الناس في رمضان على ثلاثة أقسام، قسم ظالم لنفسه لم يصم شهر رمضان صوما حقيقيا، فلم يحفظ حدوده ولم يتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ، فلم يصم لسانه عن اللغو والبهتان ولم يصم سمعه عن سماع الباطل والخنا وكل ما يغضب الرحمن.
ولم تصم عيناه عن النظر المحرم الغفلان، ولم تصم بطنه عن أكل الحرام ولا يداه وقدماه عن الفحش والبهتان فهذا كان حظه من صومه العطش والجوع وتحصيل الذل والخنوع, فهؤلاء لم يأخذوا من الإسلام إلا اسمه ولا من الإيمان إلا رسمه فهم قد وقفوا عند مرتبة الإسلام ولم يتجاوزها بعد إلى مرتبة الإيمان، والقسم الثاني قسم مقتصد، صان نفسه عن كل ما يغضب الله وحفظ صومه من اللغو والباطل كما قال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح، وليكن عليك وقار الصيام ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك، وهؤلاء هم من تجاوزوا مرتبة الإسلام إلى مرتبة الإيمان ولكنهم بعد لم يصلوا إلى مرتبة الإحسان، والقسم الثالث وهم من سبقوا بالخيرات.
وتنافسوا على تحصيل الحسنات فهم المحسنون الذي وصلوا إلى مرتبة الإحسان فعبدوا الله حق العبادة وراقبوه حق المراقبة فهم المتميزون في صومهم وعبادتهم وأخلاقهم فلم يصوموا كما يصوم الناس بل جعلوا صومهم خالصا لله رب العالمين، فصانوه من الشوائب وحفظوه من السفاسف والمعايب فصارت ألسنتهم تلهج بالذكر والدعاء وقلوبهم يلفها الصفاء والنقاء، فقرأوا القرآن وتدبروا معانيه وقامت قلوبهم بالليل تصلي لله وتناجيه، فقال الواحدي فمنهم ظالم لنفسه وهو الذي زادت سيئاته على حسناته ومنهم مقتصد وهو الذي استوت حسناته وسيئاته ومنهم سابق بالخيرات وهو الذي رجحت حسناته، وقال السعدي فمنهم ظالم لنغسه بالمعاصي، التي هي دون الكفر ومنهم مقتصد، أى مقتصر على ما يجب عليه، تارك للمحرم.
ومنهم سابق بالخيرات أى سارع فيها واجتهد، فسبق غيره، وهو المؤدى للفرائض، المكثر من النوافل، التارك للمحرم والمكروه، فكلهم اصطفاه الله تعالى، لوراثة هذا الكتاب، وإن تفاوتت مراتبهم، وتميزت أحوالهم، فلكل منهم قسط من وراثته، حتى الظالم لنفسه، فإن ما معه من أصل الإيمان، وعلوم الإيمان، وأعمال الإيمان، من وراثة الكتاب، لأن المراد بوراثة الكتاب، وراثة علمه وعمله، ودراسة ألفاظه، واستخراج معانيه، اللهم ارزقنا اتباع الرسول على المنهج السوي، اللهم اجعلنا ممن ينال شفاعته يوم القيامة، اللهم ارزقنا شربة من حوضه الشريف يا رب العالمين، اللهم كن للمسلمين أتباع نبيك فوق كل أرض، وتحت كل سماء، فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك،
ووفقنا لطاعتك وطاعة رسولك، وثبتنا على دينك حتى نلقاك، يا رب العالمين، وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.