السر في الأعمال الصالحة


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن السر في الأعمال الصالحة يبعد عن الرياء، ويحقق معنى الإخلاص، ويحفظ السائل من أن تعرف يده السفلى، وتحقق تعففه وستره، وقد يكون إعلان الصدقة خيرا من الإسرار بها، كأن يكون المتصدق قدوة، يريد أن يقتدى الناس به، أو تشجيعا على مشاريع الخير، أو لفتح باب التنافس في أوجه الإنفاق، ومن الأحكام والآداب، أن يحسن بالمتصدق أن يتصدق حال الصحة والقوة، فهو أفضل من الصدقة حال الضعف والمرض ودنو الأجل، وأن يعظم أجر الصدقة إذا كانت عن قلة وحاجة، لما فيها من الإيثار وتفضيل الغير على النفس، والذي يحتسب إنفاقه على أولاده، يجعل الله نفقته صدقة، والصدقة على القريب أكثر أجرا من الصدقة على غيره، وأن الصدقة الجارية تنفع صاحبها في الحياة وبعد الموت، ويروي ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسله، أرأيت كيف أن علو نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم في درجات الروحانية مع روحانية لقاء جبريل عليه السلام، مع روحانية تلاوة القرآن الكريم، فيجود صلى الله عليه وسلم كالريح المرسلة، لا يُبقي على شيء، وكذلك أثر العبادة الخالصة في نفوس العابدين، وعن جابر رضي الله عنه قال ما سئل رسول الله شيئا فقال لا، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” إن لله ملكين يناديان فى كل صباح، يقول أحدهما اللهم أَعطى منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أَعطى ممسكا تلفا” فكلما أنفق العبد أخلف الله عليه ببسطة في الجسم، وراحة في البال، وسعة فى الرزق، وشفاء من الأمراض.

فكان أبو بكر الصديق يتصدق بماله كله، وعمر ينفق نصف ماله، وعثمان جعل ماله في مرضاة الله، جهّز جيش العسرة، واشترى بئر رومة، وكان علي كرم الله وجهه يقول”لأن أجمع ناسا من أصحابي على صاع من طعام أحب إليّ من أن أخرج إلى السوق فأشتري نسمة فأعتقها” وكان عبدالرحمن بن عوف غنيا موسرا، فتصدق مرة واحدة بسبعمائة جمل على فقراء المدينة، وكان زين العابدين يحمل الدقيق ليلا على كتفه ليطرق بيوت الفقراء بعد أن يترك الدقيق، فإذا خرجوا وجدوا الدقيق ولم يجدوا المتصدق، ولم يعرف الناس هذا الرجل إلا بعد أن مات، وكان الليث بن سعد فقيه مصر لا يتكلم كل يوم حتى يتصدق على ثلاثمائة مسكين، فهذا هو شأن الصحابة والسلف، فما هو شأنك أنت مع الصدقة والإنفاق؟ أليس من العجيب أن يجود بعض الناس في الأمر التافه والضار بدم قلبه.

وعرق جبينه، وعصارة روحه، ويبخل بالنذر اليسير لتفريج كربات المسلمين، فإن الصدقة طهارة للمال، ققال صلى الله عليه وسلم ” حصنوا أموالكم بالزكاة” وأنها تطفئ غضب الله، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ” الصدقة تطفئ الخطيئةَ كما يطفئ الماء النار” وإن الخطايا لها حرارة في القلوب، واشتعال في النفوس، ولا يطفئ هذه الحرارة إلا الصدقة لأنها باردة على القلب، طيبة على الروح، تحس الخطايا حسا، وأنها علاج للأمراض والأزمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “داووا مرضاكم بالصدقة” وأنها باب واسع من أبواب الغنى، وأن العبد يستظل بها يوم القيامة، فقد صح عن رسول الله أنه قال “كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة، حتى يقضى بين العباد يوم القيامة” وكل بحسب ظله الذي أنتجته صدقته في الدنيا، وكذلك الفلاح في الدنيا والآخرة.

ولقد مات كثير من الأثرياء وتركوا من الأموال والدور والقصور والكنوز ما الله به عليم، وأصبح كل ذلك حسرة عليهم لأنهم ما قدموا لأنفسهم، وما أنفقوا في مرضاة الله، فقدم أنت لنفسك، فيا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذى بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية، ترزقوا وتنصروا وتجبروا فهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ فابتغوا بأموالكم الضعفاء والمساكين والمحتاجين، فارزقوهم ترزقوا، وارحموهم ترحموا، وتاجروا مع ربكم ببرهم والإحسان إليهم فإنها تجارة لن تبور، فقد ذهب أهل الدثور أى الأموال من المؤمنين بالأجور والدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون ويصومون ويتصدقون بفضول أموالهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.