الدكروري يكتب عن سجية تدل على سمو النفس


بقلم / محمـــد الدكـــروري


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي الهادي البشير محمد صلى الله عليه وسلم الذي شارك في شهر رمضان من السنة الثانية في غزوة فتح مكة حين نقضت قريش العهد الذي بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في نحو عشرة آلاف من أصحابه ففتح الله عليهم وطهر أم القرى من الشرك وأهله ودخل الناس في ين الله أفواجا غير أن هوازن وثقيف ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فرغ من قتال قريش ولا ناهية له فاجتمعوا له في حنين فخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في شوال من السنة الثامنة لقتالهم في نحو اثني عشر ألفا وأعجب بعض الناس بالكثرة وقالوا لن نغلب اليوم من قلة فأراهم الله سبحانه وتعالى أن النصر من عنده لا بسبب الكثرة وأنزل في ذلك.

” لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغني عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الين كفروا وذلك جزاء الكافرين ” وكما شارك رسول الله صلي الله عليه وسلم في السنة التاسعة من شهر رجب كانت غزوة تبوك حين بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن الروم قد جمعوا له يريدون غزوه فخرج إليهم صلى الله عليه وسلم في زمن عسرة وفي أيام شدة الحر وطيب الثمار والمسافة بعيدة فنزل في تبوك نحو عشرين يوما ولم يكن قتال ثم رجع إلى المدينة وأقام فيها وكاتب من حوله من زعماء الكفار يدعوهم إلى الإسلام وصارت الوفود تأتي اليه من كل وجه يعلنون إسلامهم ويتعلمون من رسول الله صلي الله عليه وسلم دينهم.

فقيل أنه كان قيس بن عبادة من الأجواد المعروفين فمرض يوما فاستبطأ إخوانه وأصحابة في عيادته وزيارته، فسأل أين أصحابي وأحبابي وأقاربيي فقيل له إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين، فقال أخزى الله مالا يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر مناديا ينادي من كان عليه لقيس مال فهو منه في حل، فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة من عاده وزاره، وفي القرآن العظيم يخبرنا الجبار سبحانه وتعالى بجبر قلوب أنبيائه ورسله فهذا نبي الله موسى عليه السلام لمّا رغبت نفسه إلى رؤية الله تعالى وطلب ذلك منه، أخبره سبحانه وتعالى أن ذلك غير حاصل له في الدنيا، ثم سلاه، وجبر خاطره بما آتاه، فقال تعالى فى سورة الأعراف ” قال يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين”

فإن جبر الخواطر سجية تدل على سمو نفس صاحبها، ورجاحة عقله، وسلامة صدره فلذلك كان الحظ الأوفر منها لسيد المرسلين وإمام المتقين محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله عز وجل رحمة للعالمين، فقد كان صلوات ربي وسلامه عليه أصلح الناس قلبا، وأصدقهم لسانا، وسع خُلقه الناس، سهولة ورفقا، وفاضت يداه بالعطايا كرما وجودا، فكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، يجبر خواطرهم، ويتفقد أحوالهم، ويسأل عن غائبهم، ويعود مريضهم، وكان لا يعيب طعاما صنعه آدمي، لئلا ينكسر خاطره، ويُنسب إلى التقصير فيه، وإذا بلغه عن الرجل الشيء المكروه لم يصرح باسمه، ولكن يقول “ما بال أقوما يقولون كذا وكذا” حفاظا على المشاعر وكسبا للود، وكان صلى الله عليه وسلم من كريم أخلاقه إذا رد هدية اعتذر لصاحبها تطييبا لخاطره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.