خلل هيكلي رئيسي في إقتصاد الصين يعتمد بشكل كبير على الإستثمار الذي يغذيه الديون

كتبت / عبير سعيد

يتباطأ النمو الإقتصادي في الصين مع محاولة صناع السياسات إصلاح تراجع سوق العقارات .. مع التركيز على المشاكل في شركة التطوير العقاري الكبرى كانتري جاردن .. تتزايد المخاوف بشأن ما إذا كان ثاني أكبر إقتصاد في العالم يقترب من نقطة الأزمة :

ما الذي يسبب التباطؤ الإقتصادي في الصين؟

على عكس المستهلكين في الغرب، ترك الشعب الصيني إلى حد كبير ليتدبر أمره بنفسه خلال جائحة كوفيد-19، ولم تحدث فورة الإنفاق الانتقامي التي توقعها بعض الإقتصاديين بعد إعادة فتح الصين قط ..

علاوة على ذلك، شهد الطلب على الصادرات الصينية تراجعا مع معاناة الشركاء التجاريين الرئيسيين من إرتفاع تكاليف المعيشة .. ومع ارتباط 70% من ثروات الأسر الصينية بالعقارات، فإن التباطؤ الكبير في هذا القطاع ينتشر إلى أجزاء أخرى من الإقتصاد …

وكانت هناك مخاوف كبيرة بشأن الإقتصاد الصيني من قبل … هل هذه المرة مختلفة؟

دقت أجراس الإنذار بشأن الإقتصاد خلال الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008 :2009 وأثناء الذعر من تدفق رأس المال إلى الخارج في عام 2015 .. وأعادت الصين إحياء الثقة في ذلك الوقت من خلال تعزيز الإستثمار في البنية التحتية بشكل صادم ومن خلال تشجيع المضاربة في سوق العقارات، من بين تدابير أخرى .. ولكن تحديث البنية الأساسية أدى إلى خلق كميات كبيرة من الديون، وانفجرت الفقاعة العقارية، الأمر الذي يشكل مخاطر على الإستقرار المالي اليوم ..

ونظراً لاستثمارات الصين المغذية بالديون في البنية الأساسية والعقارات والتي بلغت ذروتها وتباطؤ الصادرات بما يتماشى مع الإقتصاد العالمي، فإن الصين ليس لديها سوى مصدر واحد آخر للطلب يمكن تعديله: الإستهلاك الأسري .. وبهذا المعنى فإن هذا التباطؤ مختلف .. وتعتمد قدرة الصين على التعافي إلى حد كبير على قدرتها على إقناع الأسر بإنفاق المزيد والإقلال من الادخار، وما إذا كانت قادرة على القيام بهذا إلى الحد الذي يجعل الطلب الاستهلاكي يعوض عن نقاط الضعف في أماكن أخرى من الاقتصاد ..

لماذا يعتبر إنخفاض إنفاق الأسرة مشكلة؟

وكان إستهلاك الأسر، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، من بين أدنى المعدلات في العالم حتى قبل كوفيد-19، حيث وصفه الاقتصاديون بأنه خلل هيكلي رئيسي في إقتصاد يعتمد بشكل كبير على الإستثمار الذي يغذيه الديون .. ويلقي الاقتصاديون باللوم على ضعف الطلب المحلي في تراجع شهية الإستثمار في القطاع الخاص وفي انزلاق الصين إلى الانكماش في يوليو .. وإذا أستمر الإنكماش فقد يؤدي إلى تفاقم التباطؤ الإقتصادي وتعميق مشاكل الديون .. إن إختلال التوازن بين الإستهلاك والإستثمار أعمق من نظيره في اليابان قبل أن تدخل “العقد الضائع” من الركود في التسعينيات ..

هل سيتفاقم التباطؤ الإقتصادي في الصين؟

ودفعت قراءات البيانات الضعيفة بعض الإقتصاديين إلى الإشارة إلى خطر أن الصين قد تجد صعوبة في تحقيق هدف النمو الإقتصادي البالغ نحو 5% لعام 2023 دون مزيد من الإنفاق الحكومي .. ويظل معدل النمو الذي يبلغ نحو 5% أعلى كثيراً مما قد تحققه العديد من الاقتصادات الكبرى الأخرى، ولكن بالنسبة لدولة تستثمر ما يقرب من 40% من ناتجها المحلي الإجمالي كل عام .. أي نحو ضعفي ما تستثمره الولايات المتحدة .. فإن خبراء الإقتصاد يقولون إن هذا الرقم يظل مخيباً للآمال .. وهناك أيضاً حالة من عدم اليقين بشأن شهية الحكومة لتحفيز مالي كبير، نظراً لارتفاع مستويات الديون البلدية ..

ويثير الضغط في سوق العقارات، الذي يمثل نحو ربع النشاط الاقتصادي، مزيدا من المخاوف بشأن قدرة صناع السياسات على وقف تراجع النمو .. ويحذر بعض الاقتصاديين من أنه سيتعين على المستثمرين الإعتياد على نمو أقل بكثير .. بل إن أقلية منهم تثير إحتمالات حدوث ركود أشبه بالركود الذي حدث في اليابان .. لكن اقتصاديين آخرين يقولون إن العديد من المستهلكين والشركات الصغيرة قد يشعرون بالفعل بألم إقتصادي عميق كما حدث أثناء الركود، بالنظر إلى معدلات البطالة بين الشباب التي تزيد عن 21% والضغوط الانكماشية التي تؤثر على هوامش الربح ..

هل سيساعد خفض أسعار الفائدة؟

خفضت البنوك الصينية الكبرى يوم الجمعة أسعار الفائدة على مجموعة من الودائع باليوان، لتخفيف الضغط على هوامش أرباحها وإفساح المجال أمامها لخفض تكاليف الإقراض للمقترضين، بما في ذلك عن طريق خفض أسعار الرهن العقاري .. وبينما يأمل صناع السياسة أن يؤدي إنخفاض أسعار الفائدة إلى تعزيز الاستهلاك، يحذر الاقتصاديون من أن تخفيضات أسعار الفائدة على الودائع المصاحبة لها تؤدي إلى تحويل الأموال من المستهلكين الذين يدخرون إلى أولئك الذين يقترضون .. ومن شأن تحويلات الموارد من القطاع الحكومي إلى الأسر أن يكون لها تأثير أكثر وضوحا على المدى الطويل .. وقد يؤدي خفض أسعار الفائدة أيضًا إلى خلق مخاطر إنخفاض قيمة اليوان وتدفقات رأس المال إلى الخارج، وهو ما ستحرص الصين على تجنبه ..

وقال البنك المركزي الصيني يوم الجمعة إنه سيخفض حجم النقد الأجنبي الذي يتعين على المؤسسات المالية الإحتفاظ به كاحتياطيات للمرة الأولى هذا العام لمواجهة الضغوط على اليوان ..

ما الذي تستطيع الحكومة الصينية أن تفعله أكثر من ذلك؟

ويريد الاقتصاديون رؤية التدابير التي من شأنها تعزيز حصة إستهلاك الأسر في الناتج المحلي الإجمالي .. وتشمل الخيارات قسائم المستهلكين الممولة من الحكومة، وتخفيضات ضريبية كبيرة، وتشجيع نمو أسرع للأجور، وبناء شبكة أمان إجتماعي مع معاشات تقاعدية أعلى، وإعانات البطالة، وخدمات عامة أفضل ومتاحة على نطاق أوسع .. ولم يتم الإشارة إلى مثل هذه الخطوات في إجتماع عقد مؤخرا لقيادة الحزب الشيوعي، لكن الإقتصاديين يتطلعون إلى مؤتمر رئيسي للحزب في ديسمبر لإجراء إصلاحات هيكلية أكثر عمقا ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.