الدكروري يكتب عن التربية على الاعتماد الذاتي


بقلم / محمـــد الدكـــروري


لقد كان أهل مكة يعملون في التجارة في مكة، وبالزراعة في المدينة، وهذه هي التربية على الاعتماد الذاتي والاكتفاء بالدخل الشخصي، فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان” رواه مسلم، ومعنى ذلك تقليل المصروفات، حتى لا يحتاج المرء إلى الاستدانة من الآخرين، وليكتفي ذاتيا بما عنده، وأيضا التربية على العطاء، فقد جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة، والسفلى السائلة” ومعنى ذلك رفع المستوى الاقتصادي للمجتمع، بحيث يكثر فيه المعطون، ويقل فيه الآخذون.

فإن هذه هى أهم معالم التربية الاقتصادية التي نشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها، وربّاهم على الأخذ بها، ودعاهم إلى سلوكها، فآتت ثمارها على الصحابة رضوان الله عليهم، وعلى المجتمع المسلم، وكان لها صداها في مجال الدعوة إلى الإسلام، ولقد كانت الضرورة تحتم على الأسرة تنشئة الأطفال على العمل وتربيتهم تربية عملية، وذلك لانشغال الأسرة بالأعمال اليومية المتواصلة، فتضطر إلى ترك الأطفال يعتمدون على ذواتهم في كثير من مسارب حياتهم الطفولية، ثم تأتي بعد هذا في مراحل الطفولة الأولى الاستفادة من الأطفال بإرسالهم أو تعويدهم على القيام بمهام، وكذلك رؤية حياة الدأب، وتواصل العمل من الأب والأم والأخوة، ومن هنا ينخرط كل منهم في دوره.

فالأبناء يعملون بما يهيئ الرجال، والفتيات يعملن بما يهيئ النساء فتكون التربية العملية تربية اجتماعية ضرورية، ومن هنا كانت الحياة متفاعلة في الحياة القروية والبدوية، ولكن مع الوفرة المالية فترة الطفرة، وانتشار الخدمة، وعدم الحاجة لخدمات الأولاد والبنين، تولدت حالة التهاون والتكاسل، وفقدت العملية التربوية للعمل، ولم يتنبه المجتمع في بلادنا وبلاد العرب، بل والعالم الإسلامي لضرورة التنظير للتربية العملية، ومن هنا نشأت الاتكالية عند الفتيان والفتيات، وصعب ترويضهم للعمل، ومالوا للبطالة، بل وصحبتهم البطالة المقنعة في أعمالهم الوظيفية، وظهرت أجيال من الشباب لا قدرة لهم على العمل، ولا عزيمة تحدوهم، ولا همة ترفع مكانتهم، فالشباب لا يمارس أي عمل في بيته.

ولا في مجتمعه من مستهل حياته حتى الانتهاء من الجامعة فالآباء والأمهات في خدمتهم الخاصة والعامة، والخدم يسهمون بالكثير والكثير، ومن هنا يتجسد لنا الواقع المؤلم، والبيئة غير الصالحة للتربية العملية لتلك البيئة التي تجمد الروح المعنوية للعمل، وتجمد الأعضاء الجسمية عن الحركة، والسؤال الذي يطرح نفسه كيف نكوّن بيئة أسرية واجتماعية صالحة للتنشئة العملية؟ وإن مما يساعد على بناء دور الأسرة هو الاهتمام الإعلامي بالقضية، وكذلك التوجيه في المدارس ولا سيما إقناع المعلمين والمعلمات بأهمية الأمر لينغرس في ذهنية الفتيات والفتيان، وكذلك نشاط الجمعيات الخيرية، ونشر الوعي التربوي الذي يدفع إلى الاعتماد على الذات، وإنشاء مراكز لتنمية قدرات الأسرة على التربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.