بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن المؤمن لا يجوز له أن يعرض عرضه لحديث الناس بما يثيره من الشكوك حوله، فقد يستبرئ الإنسان للدين، ولكنه لا يهتم للعرض، وهذا خطأ فقد يقول في نفسه طالما أنني أعرف نفسي، وأنني لم أرتكب المحرم، فلا عليّ من كلام الناس، فيجلس في أماكن مشبوهة، أو يخالط أناسا مشبوهين، أو يأتى بتصرفات مشبوهة دون اهتمام لكلام الناس، وهذا منهج خاطئ، فإن المسلم إذا ظل طيب السيرة، حسن السمعة، جميل الذكر، فذلك أقوى لوجوده، وأجمل لمنهاجه، وأسرع لقبول دعوته في الناس، وقال العز بن عبدالسلام أن من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبره الله بالمغفرة ولم ينقل أنه أخبر أحدا من الأنبياء بذلك، فقال تعالى فى سورة الشرح ” ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، الذى أنقض ظهرك، ورفعنا لك ذكرك” وقال الشوكاني واختلف في معنى قوله تعالى ” ما تقدم من ذنبك وما تأخر” فقيل ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة، وما تأخر بعدها.
قاله مجاهد، وسفيان الثوري، وابن جرير، والواحدي، وغيرهم، وقال عطاء ما تقدم من ذنبك يعني ذنب أبويك آدم وحواء، وما تأخر من ذنوب أمتك، وما أبعد هذا عن معنى القرآن، وقيل ما تقدم من ذنب أبيك إبراهيم، وما تأخر من ذنوب النبيين من بعده، وهذا كالذي قبله، وقيل ما تقدم من ذنب يوم بدر، وما تأخر من ذنب يوم حنين، وهذا كالقولين الأولين في البعد، وقيل لو كان ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك، وقيل غير ذلك مما لا وجه له، والأول أولى أي ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة، وما تأخر بعدها، ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى، وسمي ذنبا في حقه لجلالة قدره، وإن لم يكن ذنبا في حق غيره، ولقد كان الأنبياء والرسل السابقون عليهم الصلاة والسلام يرسلون إلى أقوامهم خاصة، أما عموم رسالته صلى الله عليه وسلم فهى للثقلين الإنس والجن، وقال القرطبي والمراد بالعالمين أيضا الإنس والجن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان رسولا إليهما.
ونذيرا لهما وأنه خاتم الأنبياء، ولم يكن غيره عام الرسالة إلا نوحا، فإنه عمّ برسالته جميع الإنس بعد الطوفان لأنه بدأ به الخلق، واختلف في عموم رسالته قبل الطوفان على قولين، أحدهما هو عامة لعموم العقاب بالطوفان على مخالفته في الرسالة، الثاني خاصة بقومه لأنه ما تجاوزهم بدعائه، وأن الله عز وجل أقسم بحياته صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى فى سورة الحجر “لعمرك إنهم لفى سكرتهم يعمهون” ومعناه أقسم بعمرك وحياتك يا محمد، وقد أقسم الله تبارك وتعالى بأشياء كثيرة من مخلوقاته الدالة على كماله وعظمته ليؤكد المعنى في نفوس المخاطبين، فأقسم تعالى بالشمس والقمر والسماء وغير ذلك، بينما نجده سبحانه وتعالى لم يقسم بأحد من البشر إلا بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والإقسام بحياة المُقسم يدل على شرف حياته وعزتها عند المُقسم بها، وأن حياته صلى الله عليه وسلم لجديرة أن يقسم بها لما فيها من البركة العامة والخاصة.
ولم يثبت هذا لغيره من الأنبياء صلى الله عليه وسلم، ولقائل أن يقول كيف يحلف الله بمخلوقاته وقد نهانا عن ذلك؟ والجواب أننا لابد أن نعلم أن الله تعالى فعال لما يريد، وهو سبحانه لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، وليس للعبد أن يسأل الرب عن فعله لم فعله؟ وإنما الواجب عليه أن يفعل ما يأمره الله به، لأن الله تعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيها على شرفه، ولما اعترض إبليس على ربه لما أمره بالسجود لآدم عليه السلام طرده من رحمته، وقال القرطبي لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد، وإن لم يُعلم وجه الحكمة في ذلك، وأيضا فإن الله عز وجل ناداه صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم بصفته بخلاف غيره من الأنبياء، فقد خاطب الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم بالنبوة والرسالة ولم يناده باسمه، زيادة في التكريم والتشريف أما سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام فخوطبوا بأسمائهم.
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله، ولا يخفى على أحد أن السيد إذا دعى أحد عبيده بأفضل ما وجد فيهم من الأوصاف العلية والأخلاق السنية، ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام لا يشعر بوصف من الأوصاف ولا بخلق من الأخلاق، أن منزلة من دعاه بأفضل الأسماء والأوصاف أعز عليه وأقرب إليه ممن دعاه باسمه العلم، وهذا معلوم بالعرف أن من دعي بأفضل أوصافه وأخلاقه كان ذلك مبالغة في تعظيمه واحترامه، وناده بوصف كان يحبه صلى الله عليه وسلم وصف العبودية في مواضع تدل على التعظيم والتبجيل لأن لفظة العبد تطلق ويراد بها معان كثيرة، منها العبودية العامة، وهي لجميع الناس، برهم وفاجرهم، ومؤمنهم وكافرهم وبرهان هذا هو قوله تعالى فى سورة مريم ” إن كل من فى السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا” وكذلك العبودية الخاصة وهى للمسلمين والمؤمنين بصفة عامة، وهذه خاصة بالمؤمنين، وأمثلة هذا في القرآن كثيرة جدا.
وأيضا عبودية خاصة الخاصة كما قال بعض العلماء، أو نقول عبودية خاصة بصفة خاصة، وهذه للأنبياء والمرسلين، وذلك إذا كانت لفظة عبده مضافة إلى ضمير الجلالة، كما هو مصطلح القرآن، فإنه لم يقع فيه لفظ العبد مضافا إلى ضمير الغيبة الراجع إلى الله تعالى إلا مرادا به النبي صلى الله عليه وسلم والإضافة إضافة تشريف لا إضافة تعريف لأن وصف العبودية لله متحقق لسائر المخلوقات، فلا تفيد في إضافته تعريفا.