الدكروري يكتب عن صاحب كتاب وفيات المشاهير والأعلام


بقلم / محمـــد الدكـــروري


ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير والكثير عن الإمام شمس الدين الذهبي، وقيل أنه في سن مبكرة انضم الإمام الذهبي إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم حتى حفظه وأتقن تلاوته، ثم اتجهت عنايته لما بلغ مبلغ الشباب إلى تعلم القراءات وهو في الثامنة عشرة من عمره، فتتلمذ على شيوخ الإقراء في زمانه كالعسقلاني والشيخ جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن غال المتوفى وقرأ عليهما القرآن بالقراءات السبع، وقرأ على غيرهما من أهل هذا العلم حتى أتقن القراءات وأصولها ومسائلهان وبلغ من إتقانه لهذا الفن وهو في هذه السن المبكرة أن تنازل له شيخه محمد عبد العزيز الدمياطي عن حلقته في الجامع الأموي حين اشتد به المرض، وفي الوقت الذي كان يتلقى فيه القراءات مال الذهبي إلى سماع الحديث.

الذي ملك عليه نفسه، فاتجه إليه، واستغرق وقته، ولازم شيوخه، وبدأ رحلته الطويلة في طلبه، وأما عن رحلات الإمام الذهبي وأخذه عن شيوخ عصره، فكانت رحلاته الأولى داخل البلاد الشامية، فنزل بعلبك سنة ستمائة وثلاثة وتسعون للهجرة، وروى عن شيوخها، ثم رحل إلى حلب وحماة وطرابلس والكرك ونابلس والرملة والقدس، ثم رحل إلى مصر سنة ستمائة وخمس وستون من الهجرة، وسمع من شيوخها الكبار، على رأسهم ابن دقيق العيد، وبدر الدين ابن جماعة، وذهب إلى الإسكندرية فسمع من شيوخها، وقرأ على بعض قرائها المتقنين القرآن بروايتي ورش وحفص، ثم عاد إلى دمشق، وفي عام ستمائة وثماني وتسعين من الهجرة، رحل الإمام الذهبي إلى الحجاز لأداء فريضة الحج.

وكان يرافقه في هذه الرحلة جمع من شيوخه وأقرانه، وانتهز فرصة وجوده هناك فسمع الحديث من شيوخ مكة والمدينة، ورغم أن تركيز الإمام الذهبي الرئيسي انصبّ على الحديث، فقد درس النحو والعربية على الشيخ ابن أبي العلاء النصيبي، وبهاء الدين بن النحاس إمام أهل الأدب في مصر، واهتم كذلك بدراسة المغازي والسير والتراجم والتاريخ العام، فسمع من شيخ الإسلام ابن تيمية، وجمال الدين أبي الحجاج المزيش، والقاسم البرزالي المزداد، وقد جمع بين هؤلاء الأعلام طلب الحديث، وميلهم إلى آراء الحنابلة، ودفاعهم عن مذهبهم، ويذكر الإمام الذهبي أن البرزالي هو الذي حبب إليه طلب الحديث، وكان أشهر مؤلفاته هما كتابان، أولهما هو تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام.

وهو أكبر كتب الإمام الذهبي وأشهرها، تناول فيه تاريخ الإسلام من الهجرة النبوية حتى سنة سبعمائة من الهجرة، وهي فترة مدتها سبعة قرون، رغم تناول البعض التاريخ البشري كاملا كالحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، والنويري في كتابه نهاية الأرب في فنون الأدب ولكن اتساع النطاق المكاني الذي شمل العالم الإسلامي بأسره ميزه بالإضافة إلى أسبقيتة على تلامدته كابن كثير، وتضمن هذا العمل الفذ الحوادث الرئيسية التي مرت بالعالم الإسلامي، وتعاقب الدول والممالك، مع تراجم للمشهورين في كل ناحية من نواحي الحياة دون اقتصار على فئة دون أخرى، ويبلغ عدد من ترجم لهم في هذا الكتاب الضخم أربعين ألف شخصية، وهو ما لم يتحقق في أي كتاب غيره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.