بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من أكبر الخسارة للإنسان أن يبيع الآخرة من أجل حطام الدنيا الزائلة، وأن يسير وراء الدنيا بشهواتها وملذاتها ويترك الآخرة ولا يعمرها بعمل صالح، فيقول الله تعالى فى كتابه العزيز ” فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هى المأوى” وروى الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ فى النار صبغة” أى يغمس فيها غمسة واحدة، ثم يقال يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مرّ بك نعيم قط؟ فيقول لا والله يا رب، ما رأيت خيرا قط، ولا مر بي نعيم قط، بغمسة واحدة في العذاب نسي كل ما كان يتمتع به في هذه الدنيا من شهوات ولذائذ محرمة، فما حاله يا ترى إذا كان مخلدا في نار جهنم، التى يقال عنها ” لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها”
ويقول تعالى ” كلما خبت زدناهم سعيرا” ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” ويؤتى بأبأس أهل الدنيا من أهل الجنة يوم القيامة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول لا والله يارب، ما مرّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط” وهذا بصبغة واحدة في النعيم نسي كل ما كان يعانيه في هذه الدنيا من بأس وشدة وبلاء، فانظر أيها المسلم من أي الفريقين أنت؟ واعلم أن الجزاء من جنس العمل، وأنه على قدر عملك في هذه الدار تكون منزلتك في دار القرار، فيقول تعالى ” ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون” ويقول تعالى ” من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ةما ربك بظلام للعبيد” فلقد اقترب شهر رمضان من النهاية، وتصرمت أيامه، ويتم صيامه وقيامه.
وتطوي صحائفه بما قدمنا فيها من خير أو شر، فيا ليت شعري من الفائز منا فنهنيه؟ ومن المحروم منا فنعزيه؟ فكم هو محروم من حرم خير رمضان؟ وكم هو خاسر من فاته المغفرة والرضوان؟ فغدا توفي النفوس ما كسبت، ويحصد الزارعون ما زرعوا فإن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم، وإن أساؤا، فبئس ما صنعوا وقد كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده، وهؤلاء هم الذين مدحهم الله بقوله تعالى ” والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة” وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله “والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة” هو الذى يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال صلى الله عليه وسلم.
“لا، يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصلون، ويصومون، ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم” رواه أحمد والترمذى، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه “كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل،ألم تسمعوا الله عز وجل يقول ” إنما يتقبل الله من المتقين” وقال فضالة بن عبيد لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل، أحب إلي من الدنيا وما فيها, لأن الله يقول ” إنما يتقبل الله من المتقين”