بقلم/ محمـــد الدكـــروري
ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير والكثير عن فضائل ليلة القدر، وروي عن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “شهر رمضان فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم” رواه أحمد والنسائى، ثم أخبر أنها فى العشر الأواخر فقال “تحروا ليلة القدر فى العشر الأواخر من رمضان” متفق عليه، وعند البخارى ” فى الوتر من العشر الأواخر” ولك أن تتخيل أن عبدا قام لله تعالى ليلة واحدة كانت له كعبادة ألف شهر، أو ما يعادل ثلاثة وثمانين سنة، أى فضل هذا وأى نعمة تلك؟ فمن حرم خيرها فهو المحروم، ومن أعرض عنها فهو المغبون، وقد خاب وخسر من أدرك هذا الفضل ولم يغفر له، واعلم أن ما يدعو به المؤمن ربه فى هذه الليالى المباركات.
هو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم زوجته السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها، حين سألته فقالت “أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال صلى الله عليه وسلم قولى ” اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى” ويقول الله تبارك وتعالى فى سورة القصص” وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخِيَرة” وقد اختار سبحانه وتعالى العشر الأواخر من شهر من رمضان، من بين سائر أيام الشهر، وخصّها بمزيد من الفضل وعظيم الأجر، فكان صلى الله عليه وسلم يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، فتقول السيدة عائشة رضي الله عنها” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فى العشر الأواخر ما لا يجتهد فى غيره” رواه مسلم، وكان يحيى فيها الليل كله بأنواع العبادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن.
فتقول السيدة عائشة رضي الله عنها “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجَدّ وشد المئزر” رواه مسلم، فكان يوقظ أهله فى هذه الليالي للصلاة والذكر، حرصا على اغتنامها بما هى جديرة به من العبادة، وقال ابن رجب “ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقى من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه” وشد المئزر هو كناية عن ترك الجماع واعتزال النساء، والجد والاجتهاد في العبادة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على الاعتكاف فيها حتى قبض، ففى الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها “أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فى العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
وما ذلك إلا تفرغا للعبادة، وقطعا للشواغل والصوارف، وتحريا لليلة القدر، هذه الليلة الشريفة المباركة، التي جعل الله العمل فيها خيرا من العمل في ألف شهر، فقال سبحانه “ليلة القدر خير من ألف شهر” فإن فى هذه الليلة تقدر مقادير الخلائق على مدار العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والسعداء والأشقياء، والآجال والأرزاق، وقال تعالى “فيها يفرق كل أمر حكيم” وقد أخفى الله عز وجل علم تعييين يومها عن العباد، ليكثروا من العبادة، ويجتهدوا في العمل، فيظهر من كان جادا فى طلبها حريصا عليها، ومن كان عاجزا مفرطا، فإن من حرص على شيء جد فى طلبه، وهان عليه ما يلقاه من تعب في سبيل الوصول إليه.