الدكروري يكتب عن حركة الأدارسة والأغالبة


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن لكل بداية نهاية، وكما كانت هناك بداية للدولة الأموية بعد الخلافة الراشدة، ثم كانت نهايتها علي يد العباسيين، فكذلك إنهارت الدولة العباسية، علي يد التتار والمغول، وإن من العوامل الداخلية التي شجعت على انتشار الحركات الانفصالية، في الدولة العباسية هو اتساع رقعة الدولة العباسية، وذلك أن بُعد العاصمة، والمسافة المترامية بين أجزاء الدولة، وصعوبة المواصلات في ذلك الزمن، جعل الولاة في البلاد النائية يتجاوزون سلطاتهم، ويستقلون بشؤون ولاياتهم، دون أن يخشوا الجيوش القادمة من عاصمة الخلافة لإخماد حركتهم الانفصالية، والتي لم تكن تصل إلا بعد فوات الأوان، ومن أبرز الحركات الانفصالية عن الدولة العباسية هي حركة الأدارسة وحركة الأغالبة، والحركة الفاطمية.

وقد انتهى الحكم العباسي في بغداد سنة الف ومائتان وثماني وخمسون للميلاد، عندما أقدم هولاكو خان على نهب وحرق المدينة، وقتل أغلب سكانها بما فيهم الخليفة وأبناؤه، وقد انتقل من بقي على قيد الحياة من بني العباس إلى القاهرة بعد تدمير بغداد، حيث أقاموا الخلافة مجددا في سنة ألف ومائتان وواحد وستون للميلاد، وبحلول هذا الوقت كان الخليفة قد أصبح مجرد رمز لوحدة الدولة الإسلامية دينيا، أما في الواقع فإن سلاطين المماليك كانوا هم الحكام الفعليين للدولة، وكان محيي الخلافة العباسية في القاهرة هو السلطان الظاهر بيبرس، الذي رغب أن يكون الحاكم المسلم الذي يعيد الحياة إلى هذه الخلافة، على أن يكون مقرها القاهرة، ليجعل منها سندا للسلطنة المملوكية، التي كانت بِحاجة ماسة إلى دعم روحي.

يجعلها مهيبة الجانب، فعلى الرغم من الانتصارات التي حققتها ضد المغول كانت في حاجة إلى ذلك الدعم الروحي، كذلك كان الظاهر بيبرس في حاجة إلى ذلك الدعم الروحي لأمرين، الأول أن يحيط عرشه بسياج من الحماية الروحية، يقيه خطر الطامعين في ملك مصر والشام، ويبعد عنه كيد منافسيه من أمراء المماليك في مصر، الذين اعتادوا الوصول إلى الحكم عن طريق تدبير المؤامرات، والثاني وهو أن يظهر بمظهر حامي الخلافة الإسلامية، لذلك استدعى إلى القاهرة أميرا عباسيا هو أبو القاسم أحمد، وبايعه وعلماء الديار المصرية بالخلافة، فقلد الخليفة بيبرس أمور البلاد الإسلامية وما ينضاف إليها، وما سيفتحه من بلاد في دار الحرب، وألبسه خلعة السلطنة، ومنذ ذلك الوقت عُرف كل سلطان مملوكي بقسيم أمير المؤمنين.

وقد ظلت الخلافة العباسية قائمة حتى سنة ألف وخمسمائة وتسعة عشر، عندما اجتاحت الجيوش العثمانية بلاد الشام ومصر، وفتحت مدنها وقلاعها، فتنازل آخر الخلفاء عن لقبه لسلطان آل عثمان، سليم الأول، فأصبح العثمانيون خلفاء المسلمين، ونقلوا مركز العاصمة من القاهرة إلى القسطنطينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.