قادة خلدها الإسلام (أسامة إبن زيد)

بقلم / عاشور كرم

هو : حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة وكان لقبه بين الصحابة (الحب بن الحب) أبوه زيد بن حارثة خادم رسول الله الذي آثر رسول الله على أبيه وأمه وأهله والذي يقف به النبي على جموع أصحابه يقول:(( أشهدكم أن زيدا هذا ابني يرثني وأرثه )) وظل اسمه بين المسلمين زيد بن محمد حتى أبطل القرآن الكريم عادة التبني
ونزل قوله تعالي : ((وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)) وأمه هي أم أيمن مولاة رسول الله وحاضنتة . وكان أسامة بن زيد مالكا لكل الصفات العظيمة التي تجعله قريبا من قلب رسول الله وكبيرا في عينيه فهوابن مسلمين كريمين من أوائل المسلمين سبقا إلى الإسلام ومن أكثرهم ولاء للرسول وقربا منه وهو من أبناء الإسلام الحنفاء الذين ولدوا فيه وتلقوا رضعاتهم الأولى من فطرته دون أن يدركهم من غبار الجاهلية المظلمة شيء فهذا الأسود الأفطس يأخذ في قلب النبي وفي صفوف المسلمين مكانا عليا لأن الدين الذي ارتضاه الله لعباده قد صحح معايير الآدمية والأفضلية بين الناس فقال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). فرسول الله دخل مكة يوم الفتح العظيم ورديفه هذا الأسود الأفطس (أسامة بن زيد) ثم دخل الكعبة في أكثر ساعات الإسلام روعة وعن يمينه ويساره بلال بن رباح وأسامة بن زيد رجلان تكسوهما البشرة السوداء الداكنة ولكنه ذات يوم أخذ أسامة من رسول الله درس حياته فقبل وفاة رسول الله بعامين بعث أسامه أميرا على سرية خرجت للقاء بعض المشركين الذين يناوئون الإسلام والمسلمين وكانت تلك أول إمارة يتولاها أسامة ولقد أحرز في مهمته النجاح والفوز وسبقته أنباء فوزه إلى رسول الله ففرح وسر بها وعن هذا قال أسامة بن زيد: ((فأتيت النبي وقد أتاه البشير بالفتح فإذا هو متهلل وجهه فأدناني منه ثم قال: حدثني فجعلت أحدثه وذكرت له أنه لما انهزم القوم أدركت رجلا وأهويت إليه بالرمح فقال لا إله إلا الله فطعنته فقتلته فتغير وجه رسول الله وقال: ويحك يا أسامة! فكيف لك بلا إله إلا الله؟. فلم يزل يرددها علي حتى لو وددت أني انسلخت من كل عمل عملته واستقبلت الإسلام يومئذ من جديد فلا والله لا أقاتل أحدا قال لا إله إلا الله بعد ما سمعت رسول الله ))فهذا الرجل الذي أسف النبي لمقتله وأنكر على أسامة بن زيد قتله كان مشركا ومحاربا وهو حين قال لا إله إلا الله قالها والسيف في يمينه تتعلق به مزع اللحم التي نهشها من أجساد المسلمين قالها لينجو بها من ضربة قاتلة أو ليهيء لنفسه فرصة يغير فيها اتجاهه ثم يعاود القتال من جديد. ومع هذا فلأنه قال الشهادة وتحرك بها لسانه يصير دمه حراما وحياته آمنة في نفس اللحظة ولنفس السبب
وفي سن مبكرة لم تجاوز العشرين أمر رسول الله أسامة بن زيد على جيش من بين أفراده وجنوده أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وسرت همهمة بين نفر من المسلمين تعاظمهم الأمر واستكثروا على الفتى الشاب (أسامة بن زيد) إمارة جيش فيه شيوخ الأنصار وكبار المهاجرين وبلغ همسهم رسول الله فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (( إن بعض الناس يطعنون في إمارة أسامة بن زيد ولقد طعنوا في إمارة أبيه من قبل وإن كان أبوه لخليقا للإمارة وإن أسامة لخليق لها وإنه لمن أحب الناس إلي بعد أبيه، وإني لأرجو أن يكون من صالحيكم فاستوصوا به خيرا ))
وتوفي رسول الله قبل أن يتحرك الجيش إلى غايته ولكنه كان قد ترك وصيته الحكيمة لأصحابه: (أنفذوا بعث أسامة) وقد عمل الخليفة أبو بكر هذه الوصية وعلى الرغم من الظروف الجديدة التي خلفتها وفاة الرسول فإن أبو بكر أصر على إنجاز الوصية وأمره فتحرك جيش أسامة إلى غايته بعد أن استأذنه الخليفة في أن يدع له عمر بن الخطاب ليبقى إلى جواره بالمدينة المنورة وبينما كان إمبراطور الروم (هرقل) يتلقى خبر وفاة رسول الله تلقى في نفس الوقت خبر الجيش الإسلامي الذي يغير على تخوم الشام بقيادة الشاب أسامة بن زيد فتحسر هرقل أن يكون المسلمون من القوة بحيث لا يؤثر موت رسولهم في خططهم ومقدرتهم الحربية وهكذا انكمش الروم ولم يعودوا يتخذون من حدود الشام نقط وثوب على مهد الإسلام في الجزيرة العربية وعاد الجيش منتصرا بلا ضحايا وقال عنه المسلمون يومئذ: ((ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة)) وعندما تولي الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وأثناء تقسيمه أموال بيت المال على المسلمين وجاء دور عبد الله بن عمر بن الخطاب فأعطاه عمر نصيبه ثم جاء دور أسامة بن زيد فأعطاه عمر ضعف ما أعطى ولده عبد الله فسأله قائلا: (( لقد فضلت علي أسامة وقد شهدت مع رسول الله ما لم يشهد)) فأجابه عمر: (( إن أسامة كان أحب إلى رسول الله منك وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك))

وأخيرا اختتم حديثي بأن
أسامة بن زيد اعتزل الفتن بعد مقتل عثمان بن عفان وعِندما قتل الخليفة علي بن أبي طالب تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة لِمعاوية بن أبي سفيان عندئذ بايع أُسامة معاوية مع عدد كبير من الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وكان قد سكن المزة غرب دمشق ثم رجع فسكن وادي القرى ثم نزل إلى المدينة المنورة فمات بِها بالجرف ودفن بالبقيع وصحح بن عبد البر أنه مات سنة ٥٤ هـ وقيل ظل حياً حتى أواخر خلافة معاوية وقيل إنه مات سنة ٦٢ هجرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.