بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن نية العبد خير من عمله فقد يحج ولا يقبل منه لسوء نيته، وقد لا يحج ويكتب له أجر حجة وعمرة تامتين تامتين لصدق نيته، لذلك جاء أول حديث في البخارى “إنما الأعمال بالنيات” فإذا كان الحج قد فاتك فإن أفعال الخير لا تفوتك فتلحق بركب الحجيج، وما أجمل مقولة أحد السلف “من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عَرفه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليبيّت عزمه على طاعة الله وقد قرّبه وأزلفه، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى، ومن لم يصل إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إليه من حبل الوريد، فإن المشكلة تكمن في عدم معرفة قيمة الوقت، الوقت سريع التقضي، فإنه أبي التأتي، لا يرجع مطلقا، والعاقل هو الذي يفعل ما يغتنم به وقته، قال بعض أهل العلم ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ثم ليس فقط انتهاز العمر بالطاعات.
واغتنام الأوقات بالعبادات، وإنما يقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، وهذه مسألة تحتاج إلى فقه، اغتنام الوقت في أفضل ما يمكن تحتاج إلى فقه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ” رواه البخارى، ويقول الحسن البصري ما من يوم ينشق فجره إلا وينادى يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود منى فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة” وإنما أنت أيام مجموعة كلما مضى يوم مضى بعضك” ولإن لقيمة الوقت ربط المولي عز وجل جميع أركان الإسلام بوقت معين ومحدد ليلفتنا إلي قيمة الوقت فالصلاة لاتصح إلي بدخول الوقت، فقال تعالى ” إن الصلاة كانت على الإنسان كتابا موقوتا” والزكاة لاتؤدي إلا في وقت معين حال عليها الحول أو وقت حصاده، فقال تعالى “كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده” والصيام له شهر معلوم.
فقال تعالى ” شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” وقال سبحانه وتعالى فى سورة البقرة ” وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل” وفريضة الحج قيضت بوقت معين أيضا، فقال تعالى فى سورة البقرة ” الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقونى يا أولى الألباب” وإن من فضل الله تعالى ونعمه الجليلة على عباده أن هيأ لهم المواسم العظيمة والأيام الفاضلة لتكون مغنما للطائعين وميدانا لتنافس المتنافسين، ومن أعظم هذه المواسم وأجلها ما شهد النبي صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، ألا وهي أيام عشر ذي الحجة، فحقا إنها أيام مباركة خير أيام الدهرأقسم الله جل وعلا بها، والإقسام بالشيء دليل على أهميته وجلالة قدره.
والنبي صلى الله عليه وسلم إنما حث فيها على العمل الصالح لفضلها وعظيم نفعها، ولشرف الزمان بالنسبة لأهل الأمصار، وشرف المكان أيضا وهذا خاص بحجاج بيت الله الحرام، ولأن فيها يوم عرفة ويوم النحر، وفيها الأضحية والحج، قال الحافظ في فتح الباري “والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره” لذا لا غرو ولا جرم أن يحرص السلف الصالح على اغتنامها والعمل فيها، فقد كان سعيد بن جبير رحمه الله إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يُقدر عليه، فإن إدراك عشر ذي الحجة نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العبد، يقدرها حق قدرها الصالحون المشمّرون، وإن واجب المسلم استشعار هذه النعمة واغتنام هذه الفرصة، وذلك بأن يخص هذا العشر بمزيد عناية وأن يجاهد نفسه بالطاعة، فقال أبو عثمان النهدي رحمه الله عن السلف.
كانوا يعظمون ثلاث عشرات، العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم، وإن من فضل الله على عباده كثرة طرق الخير وتنوع سبل الطاعات ليدوم نشاط للمسلم ويبقى ملازما لطاعة ربه وعبادته، وعشر ذي الحجة التي أقسم الله بها وعظم قدرها وحث رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، على العمل فيها لها وظائف وأعمال، ومن تلكم الأعمال هو الصيام، فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها، والصيام من أفضل الأعمال الصالحة، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يصومها، وكذلك مجاهد وغيرهما من العلماء, وأكثر العلماء على القول بصيامها، وأما ما اشتهر عند العوام من صيام ثلاث ذي الحجة يعنون بها اليوم السابع والثامن والتاسع فهذا التخصيص لا أصل له ولا دليل عليه، ومن الأعمال هو التكبير والتهليل.
ومن الأعمال الصالحة أيضا هى الصلاة، فيستحب التبكير إلى الفرائض والمسارعة إلى الصف الأول والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال، قلت يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال بر الوالدين، قلت ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله” متفق عليه، وعن ثوبان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول “عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة” رواه مسلم، وإن يوم عرفة من الأيام الفاضلة والعظيمة، لأنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها، وهو يوم عيد لأهل الموقف، ويستحب صيامه لأهل الأمصار، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على هذه الأمة، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولهذا جعله الله تعالى خاتمة الأديان، لا يقبل من أحد دينا سواه، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء” رواه مسلم.