بقلم / محمـــد الدكـــروري
لما قام نبى الله يوسف عليه السلام بتفسير رؤيا ملك مصر، وظهرت براءته باعتراف زليخه وباعتراف نساء مصر أن يوسف كان عفيفا تقيا، قام الملك بإطلاق سراحه، وعينه عزيزا لمصر بعد وفاة بوتيفار زوج زليخا، وعندما تولى نبى الله يوسف عليه السلام هذا المنصب، فقد استطاع أن ينقذ مصر من المجاعة والقحط واستطاع أيضا أن يحول المصريين من عبادة الأوثان والإله أمون إلى عبادة الله الواحد، وأصبحت زليخه أيضا تعبد الله الواحد الأحد، فأصبحت تناجيه وتستعين به على شوقها ليوسف وعلى هرمها وسوء حالها وتستأنس بمناجاته في تمضية أيامها الحزينة، وظلت على هذه الحال مدة اثنتي عشرة سنة، وعندما علمت زوجة النبي يوسف وكانت تسمى أسينات.
بأمر زليخه فقد تأثرت بها كثيرا وأدخلتها معها إلى قاعة الملك أخناتون الذي كان هو ويوسف يحاكمان أمام الحاشية الكهنة الذين خدعوا الناس بعبادة الإله أمون وتطاولوا على الله الواحد عز وجل، وأمام الحاشية قامت أسينات، بمعاتبة زوجها يوسف واشتكته إلى الملك لنسيانه أمر زليخه المسكينة، فأتى وحي من الله عز وجل ليوسف بأن يتزوج من زليخه، وهنا قام نبى الله يوسف عليه السلام بمواساة زليخه التي أخذت بالبكاء لفرحتها بلقائه وتمنت أن يرد الله لها بصرها حتى تستطيع رؤية حبيبها يوسف وكانت المعجزة بأن الله تعالى استجاب لدعاء نبيه يوسف عليه السلام فرد إلى زليخه بصرها أمام الملك وحاشيته وأمام الكهنة الذين لم يكونوا قد آمنوا بعد، وهكذا كانت زليخه.
فكانت مشهورة بجمالها وكبريائها الذي أضحى تكبرا وأنفة، وأما ما ورد في عن وفاة نبى الله يوسف عليه السلام كلها روايات غير مثبتة، ولم يرد في القرآن الكريم أو في صحيح السنة شيئا عن وفاته، لذلك فلا نجزم بهذه الروايات، وقد وردت العديد من القصص في وفاته عليه السلام، أمّا أرجح الأقوال إنه عاش طويلاَ وواجه فرعون وانتصر، ثم مات وقد بلغ من العمر مائة وعشر سنين، ولكنهم اختلفوا في مكان دفنه وذلك لشدة رغبة الناس بالحصول على بركته، فاشتد القتال والعداء بين الناس، وفي النهاية اتفق الجميع على دفنه عليه السلام في نهر النيل، لتعمّ بركته على جميع أهل مصر، ودُفن في قبر رخامي مطلي بالرصاص وسط النيل، وفي زمن النبي موسى عليه السلام تم نقله إلى المقدس.
ليدفن قرب الخليل إبراهيم عليه السلام، وفي روايات أخرى أنه نُقل في البدء للشام دون فتح تابوته، وبعدها تم نقله لبيت المقدس لجوار نبى الله إبراهيم عليه السلام، وقيل إنه دُفن في منطقة تسمى بالقلعة، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال، أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا فأكرمه، فقال له “ائتنا” فأتاه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “سل حاجتك” فقال ناقة نركبها، وأعنز يحلبها أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟” قالوا يا رسول الله وما عجوز بني إسرائيل؟ قال ” إن موسى عليه السلام لما سار ببني إسرائيل من مصر ضلوا الطريق، فقال ما هذا؟ فقال علماؤهم، إن يوسف عليه السلام لمّا حضره الموت.
أخذ علينا موثقا من الله، أن لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا” أي بدنه، وهو من باب إطلاق الجزء ويراد به الكل، فالأنبياء لا تأكل الأرض أجسادهم كما صح بذلك الخبر عن خير البشر، فقال نبى الله موسى فمن يعلم موضع قبره؟ قال، عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها، قال دليني على قبر يوسف، قالت حتى تعطيني حُكمي، قال وما حكمك؟ قالت أكون معك في الجنة، فكره أن يعطيها ذلك، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ما، فقالت انظبوا هذا الماء، فأنظبوه، فقالت احتفروا، فاحتفروا، فاستخرجوا عظام يوسف، فلما أقلوه إلى الأرض فإذا الطريق مثل ضوء النهار”
وهكذا تكون الهمم العالية فهى كنوز غالية يمتن بها المنان على من يشاء من بني الإنسان، فطوبى لمن أولاه مولاه تلك الهمة العالية والعزيمة الوثابة والإرادة الماضية، فما آفة المحق إلا التردد والتذبذب، والتخاذل والفتور، والرضى بتوافه الأشياء ومحقرات الأمور.