بقلم / د. محمود محمد علي
يعد يوسف وهبي واحدا من كبار الفنانين المصرين الذين نالوا عن جدارة لقب «عميد المسرح العربي»، فقدم ما يزيد عن 100 عمل فني، وحصل على العديد من الجوائز والتكريمات، وتم اختيار 6 أفلام للفنان يوسف وهبي، ضمن قائمة أفضل 100 فيلم بتاريخ السينما المصرية حسب استفتاء النقاد عام 1996، كما أطلق اسمه على مسرح الجمهورية عندما تقرر إطلاق أسماء أعلام الفن على دور العرض المسرحي التابعة لهيية المسرح، وكان من نصيب مسرح الازبكية اسم جورج أبيض ومسرح 26 يوليو اسم زكي طليمات ومسرح البالون اسم أم كلثوم والمسرح العايم اسم فاطمة رشدي.
قال المؤرخ الفني محمد شوقي إن الفنان الراحل يوسف وهبي كان قد أشار إلى أنه من الطبقة الراقية و الأرستقراطية فى ذلك الوقت، موضحا: “معظم الطبقة الراقية والأرستقراطية كانوا يعانون من أن يكونوا فنانين في ظل التقاليد الصارمة ونظرة المجتمع للفن”.
وأضاف شوقي خلال لقائه مع الإعلامي تامر أمين فى برنامج آخر النهار المذاع على قناة النهار أن الفنان الراحل يوسف وهبي من مواليد الفيوم وولد عام ١٤ يوليو ١٨٩٨، وأوضح المؤرخ الفني أنه كان يفخر بتاريخ ميلاده لأنه كان يناسب تاريخ للثورة الفرنسية مردفا أن والده عبد الله باشا وهبى كان مفتش عموم الري في ذلك الوقت، لافتا إلى أنه بدأ علاقته بالفن من خلال الفرق المتجولة و التي كانت تجوب محافظات صعيد مصر.
ولد يوسف وهبى في 14 يوليو 1898 بمدينة الفيوم على شاطئ بحر يوسف وسُمي تيمنًا باسمه، وقد حصل على البكوية بعد وفاة سيد بك حنتوش، حيث كان والده “عبد الله باشا وهبى” يعمل مفتشًا للرى بالفيوم. تلقى تعليمه بالمدرسة السعيدية بالجيزة، ثم بالمدرسة الزراعية بمشتهر. شغف بالتمثيل لأول مرة في حياته عندما شاهد فرقة الفنان اللبنانى “سليم القرداحى” في سوهاج، بدأ هوايته بإلقاء المونولوجات وأداء التمثيليات بالنادى الأهلى والمدرسة.
عندما شاهد فرقة الفنان اللبناني “سليم القرداحي” في سوهاج اشتعل داخله الشغف بفن التمثيل، فبدأ ممارسته عبر فن الإلقاء الذي مارسه من خلال الأنشطة الفنية في النادي الأهلي والمدرسة، إلا أنه عند مرحلة الشباب وعقب انتهاء الحرب العالمية قرر دراسة التمثيل بشكل متخصص فسافر إلى إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى حيث درس التمثيل وتتلمذ على يدي الممثل الإيطالي “كيا نتوني”، ليعود لمصر عام 1921 ليعمل بمسرح حسن فايق الذي قدم معه العديد من المسرحيات التي قام فايق بكتابتها وإخراجها.
وقد أسس يوسف وهبي فرقة رمسيس المسرحية مع عدد من الممثلين الكبار مثل عزيز عيد ومختار عثمان وحسين رياض، وأحمد علام، وفتوح نشاطي، وزينب صدقي، وأمينة رزق، فاطمة رشدي، وعلوية جميل، واُفتُتِح مسرح رمسيس في 10 مارس 1923. وبدأت الفرقة بمسرحية المجنون كباكورة لأعمالها المسرحية حيث عُرضت على مسرح راديو عام 1923 وكانت معظم مسرحياتها في بداياتها مترجمة عن أعمال عالمية لشكسبير وموليير وإبسن، ويعتقد البعض أن يوسف وهبي هو الذي أدخل فكرة الموسيقى التصويرية قبل رفع الستار التي لم تكن معروفة إلا في أكبر المسارح في العالم، وقدمت الفرقة بعد ذلك عددًا كبيرًا وصل إلى أكثر من 300 من المسرحيات المؤلفة والمقتبسة باللغة العربية أو بلغات أخرى منها الفرنسية، ونقلت العديد من مسرحيات الفرقة إلى السينما مثل : كرسي الاعتراف، راسبوتين، المائدة الخضراء، بنات الشوارع، أولاد الفقراء، وبيومي أفندي، واتسمت معظم مسرحيات الفرقة بالميلودراما مما جعلها مختلفة عن المسرحيات في ذلك الوقت التي قدمها الفنانون أمثال نجيب الريحاني وعلي الكسار وغيرهم والتي كانت تحمل الطابع الكوميدي الراقص أو الساخر أو المسرحيات الغنائية، كما كانت المسرحيات التي تُقدم على مسرح رمسيس من روائع الأدب الفرنسي والإيطالي والإنجليزي مخالفةً بذلك ما كان يقدم من مسرحيات ومن هذه المسرحيات : خليفة الصياد، وهارون الرشيد، ووصلاح الدين الأيوبي، وصدق الإخاء، وأصدقاء السوء. اهتم يوسف وهبي بتوعية جمهور المسرح، وتغيير الاهتمام بالمسرح الهازل إلى الاهتمام بالفن والمسرح الجاد، وقد منع التدخين في قاعات العرض، وعمل على احترام مواعيد رفع الستار، ووضع إتيكيتًا للممثل، متمثلًا في الحفاظ على المواعيد، والالتزام بالنص، وتنفيذ تعليمات المخرج، وهو ما دفع الحكومة لتكليفه عام 1933م بتشكيل فرقتها المسرحية التي كانت نواة المسرح القومي فيما بعد، كما عمد يوسف وهبي بجانب تمثيله الأدوار الرئيسة في مسرحياته إلى التأليف والإخراج، فإجمالًا قام يوسف وهبي بتمثيل 302 من المسرحيات العالمية، وأخرج منها 185 مسرحية، وقام بتأليف 60 مسرحية، وكان يهدف من وراء أعماله إلى نشر الوعي الاجتماعي ونقد عيوب المجتمع؛حيث عرض مشكلات مثل: الزواج من أجنبيات، وأطفال الشوارع، وأبناء الخطيئة، والصراع بين الضمير والعاطفة، كذلك عمد إلى محاربة الاستعمار والفساد.
وقد نال يوسف وهبى لقب البكاوية بعد أن شاهد الملك فاروق العرض الخاص لفيلم “غرام وانتقام” عام 1944، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1960 من الزعيم جمال عبدالناصر وجائزة الدولة التقديرية عام 1970، والدكتوراة الفخرية ولقب فنان الشعب من الرئيس محمد أنور السادات، كما منحه بابا الفاتيكان جائزة تقديرية لدوره البارز في إيعاظ المجتمع وهو المسلم الوحيد الذى يحصل على هذه الجائزة في سابقة لم تحدث من قبل.
وفي ذروة تألقه، تعرض لأزمة كادت أن تعصف بنجاحه الفني، حيث نشرت إحدى المجلات الإيرانية سنة 1928 أن شركة سينماتوغراف الفرنسية جاءت إلى مصر، واتفقت مع عميد المسرح العربي على تمثيل فيلم النبي محمد، واشترطت أن ينتقل مع بعض أفراد فرقته إلى باريس، وأن الفيلم من إنتاج تركي، وحضر المنتج إلى القاهرة وبصحبته المخرج توجو مزراحي، وبعد المقابلة أخذ وهبي يستعد لأداء دوره وصنع لنفسه صُوَرًا فوتوغرافية للشكل الذي سيظهر عليه في الفيلم، وهي صورة لا تختلف عن صورة راسبوتين، لتفتح عليه أبواب جهنم من كل حدب وصوب، وشُنَّت حملة شرسة ضده، وأرسل شيخ الأزهر خطابًا إلى وزارة الداخلية في اليوم التالي مباشرة يطالبها فيه بالتحقيق في الأمر ومنع هذا المشخصاتي من القيام بالدور حتى لو اقتضى الأمر منعه من السفر بالقوة وإيداعه السجن، كما طالب أن تخاطب حكومة باريس بواسطة السفارة المصرية هناك لمصادرة هذه الرواية، واستدعت الداخلية يوسف وهبي وحققت معه وأرسلت ردًّا للأزهر تقول فيه إن يوسف وهبي سيعتذر في الصحف عن قبوله هذا الدور تحت ضغط شعبي وتحت تهديد الملك فؤاد بسحب جنسيته المصرية منه.بسبب هذه الأزمة تأخر دخول يوسف وهبي عالم السينما
وفي عام 1930 وبالتعاون مع محمد كريم أنشأ وهبي شركة سينمائية باسم رمسيس فيلم التي بدأت أعمالها بفيلم زينب سنة 1930، والذي كان من إنتاجه وإخراج محمد كريم، وفي عام 1932 أنتج أولاد الذوات الذي كان أول فيلم عربي ناطق وكان الفيلم مقتبسًا عن إحدى مسرحياته الناجحة، حيث قام بكتابة النص وقام ببطولة الفيلم، كما قام محمد كريم أيضا بإخراجه، ثم كتب فيلمه الدفاع سنة 1935، ليخرجه هذه المرة بنفسه بالتعاون من المخرج نيازي مصطفى حتى بلغ به التكامل الفني إلى تلحين أغاني هذا الفيلم. ثم في عام 1937 قدم فيلمه الثالث المجد الخالد وهذه المرة كان هو الكاتب والبطل والمخرج، ثم قدم فيلم ساعة التنفيذ 1938 من بطولته وتأليفه وإخراجه وبذلك قدم يوسف وهبي مجموعة من أوائل أفلام السينما المصرية فكان عدد الممثلين السينمائيين قليل وكانت الأفلام غالبًا ما تكون من بطولة يوسف وهبي أو نجيب الريحاني أو علي الكسار في فترة الثلاثينيات. بعد ذلك بدأ يوسف وهبي في تقديم ثنائي ناجح مع المطربة والممثلة الشابَّة في ذلك الوقت ليلي مراد حيث شارك معها في ثلاث أفلام متتالية هي ليلة ممطرة 1939، ليلى بنت الريف 1941، وليلى بنت المدارس 1941،وكانت هذه الأفلام من إخراج توجو مزراحي. كما لم يشغل يوسف وهبي دخوله عالم السينما عن استكمال مشواره المسرحي حيث قدم في عام 1939م ست مسرحيات وهي : ناكر ونكير، الشبح، العدو الحبيب، ابن الفلاح، يد الله، ألف ضحكة وضحكة.
ولقد كانت مرحلة السطوع السينمائي ليوسف وهبي عندما بدأ في الالتفات إلى السينما ومواصلة رسالته الهادفة المتمثلة في نقاش القضايا الاجتماعية ونقد عيوب المجتمع والسعي نحو حلها حيث قدم وهبي في هذه الفترة مجموعة من أهم وأعظم أفلامه الخالدة. بدأت هذه المرحلة بفيلم الطريق المستقيم من تأليف يوسف وهبي وتوجو مزراحي ومن إخراج توجو مزراحي، وشارك في بطولة هذا الفيلم أمينة رزق التي كونت مع يوسف وهبي أشهر ثنائي درامي على الإطلاق حيث قدمت معه حوالي 11 فيلمًا، كما شاركت في فيلم الطريق المستقيم الفنانة فاطمة رشدي، وبشارة واكيم، ومحمود المليجي، حتى أنَّ إسماعيل ياسين أسطورة الكوميديا ظهر في مشهد قصير في الفيلم كرجل مخمور وكان هذا من أوائل مشاركاته في السينما.
وقد قدم يوسف وهبي فيلم غرام وانتقام عام 1944، وكان من إخراجه وتأليفه، ويعتبر الفيلم من أعظم وأهم أفلام يوسف وهبي والسينما المصرية عمومًا، كما يتميز الفيلم بمشاركة نجمة الغناء أسمهان فيه بجانب أنور وجدي، وبشارة واكيم، ومحمود المليجي، وفاخر فاخر وغيرهم وتدور قصة الفيلم حول سهير سلطان (أسمهان) مطربة شهيرة، تقرر اعتزال الفن من أجل الزواج من حبيبها وحيد عزت، ولكن لسوء الحظ يموت وحيد برصاصة قاتلة قبيل حفل زفافه على سهير، ويتناهى إلى علم سهير فيما بعد أن الموسيقار جمال حمدي (يوسف وهبي) هو المشتبه الرئيسي في ارتكاب الجريمة، ولكن بسبب عدم وجود أدلة كافية لإدانته، تقرر أن تتقرب منه وتمثل عليه الحب لكي تصل بنفسها إلى الحقيقة، فيحبها ويعترف لها بأنه قتله بسبب خيانته لثقته فيه والتغرير بأخته، وعند مشاهدة الملك فاروق لأول عرض للفيلم بسينما ريفولي بالقاهرة أُعجب به وقرر منح يوسف وهبي رتبة البكوية. وفي عام 1944م أيضًا قدَّم وهبي فيلم سيف الجلَّاد من إخراجه وتأليفه وبطولته بالاشتراك مع الفنانين عقيلة راتب، بشارة واكيم، محمود المليجي، محمد فوزي، وعلوية جميل
ثُمَّ قدَّم وهبي فيلمه الثالث في عام 1944م وهو فيلم ابن الحدَّاد من إخراجه وتأليفه، وبطولته بالاشتراك مع مديحة يسري وفؤاد شفيق وعلوية جميل ومحمود المليجي، ويُعَدُّ الفيلم أحد أهم أفلام يوسف وهبي والذي ناقش فيه قضية المجتمع الأولى وقتها وهي التفرقة الطبقية من حيث الحسب والنسب والمستوى المالي حيث وضح الفيلم أن البشر جميعًا سواء على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم.
وفي عام 1949 ظهر الفنان يوسف وهبي ضيف شرف في فيلم «غزل البنات» أمام نجيب الريحاني، وليلى مراد، وأنور وجدي الذي قام بإخراج الفيلم، سيناريو وحوار بديع خيري، وهو الفيلم الأخير للفنان نجيب الريحاني الذي توفي قبل أن يرى الفيلم النور.
وعام 1954 شارك الفنان يوسف وهبي فيلم «حياة أو موت» وتجسيده شخصية حكمدار العاصمة، أمام عماد حمدي، مديحة يسري، إخراج كمال الشيخ، سيناريو وحوار علي الزرقاني، ومن أشهر عبارات الفيلم «إلى أحمد إبراهيم القاطن في دير النحاس لا تشرب الدواء.. الدواء فيه سم قاتل».
وفي عام 1966 شارك الفنان يوسف وهبي في فيلم «القاهرة 30» أمام سعاد حسني، أحمد مظهر، توفيق الدقن، شفيق نور الدين، تأليف نجيب محفوظ، إخراج صلاح أبوسيف.
وفي عام 1969 شارك الفنان يوسف وهبي، في فيلم «ميرامار» أمام شادية، يوسف شعبان، عماد حمدي، أبوبكر عزت، تأليف نجيب محفوظ، سيناريو وحوار ممدوح الليثي، إخراج كمال الشيخ.
وفي عام 1971 شارك الفنان يوسف وهبي في فيلم «الاختيار» للمخرج يوسف شاهين، والكاتب نجيب محفوظ، بطولة سعاد حسني، عزت العلايلي، هدى سلطان، محمود المليجي.
وفي عام 1980م شارك يوسف وهبي في مسلسل أيام لا تضيع بطولة سعيد صالح ومديحة كامل وأحمد راتب وأحمد بدير ووحيد سيف وحسن عابدين وضيف الشرف محمد نجم، وفي عام 1981م شارك في عملين فنيين أولهما مسلسل صيام صيام بطولة يحيي الفخراني وفردوس عبد الحميد وآثار الحكيم ومريم فخر الدين وصلاح السعدني، وثاني أعماله عام 1981م هو فيلم دماء على الثوب الوردي بطولة ناهد شريف وسمير صبري ويسرا.وفي عام 1982م شارك في آخر عمل فني له في حياته حيث ظهر في دور بسيط كضيف شرف في فيلم السلخانة بطولة سمير صبري وسيد عبد الغني وعادل أدهم وغيرهم، وفي نفس هذا العام توفي يوسف وهبي بعد مسيرة فنية حافلة دامت لمدة قياسية وهي 60 عامًا، قدم خلالها 123 عملًا فنيًّا بين أفلام ومسلسلات تليفزيونية وإذاعية ومسرحيات وتمثيليات.
المراجع:
1- أشرقت جمال: في ذكرى رحيل عميد المسرح العربي.. يوسف وهبي سيرة ومسيرة، 04:59 م – الإثنين 18 أكتوبر 2021.
2- هبة أمين: في ذكرى ميلاده: 6 أعمال للفنان يوسف وهبي ضمن قائمة أفضل 100 فيلم، الوطن، 07:39 ص | الأربعاء 14 يوليو 2021
3- هيثم مفيد: يوسف وهبي.. عميد المسرح العربي، بروفايل، السبت 17/أكتوبر/2020 – 01:45 م