ومنهم من قضي نحبة


بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد أمر الله سبحانه وتعالى أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين، وخص الله المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وقد أخبر الله تعالى عن أهل البر وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم من الإيمان والإسلام، والصدقة والصبر بأنهم أهل الصدق، وهذا صريح في أن الصدق في الأعمال الظاهرة والباطنة، وأنه هو الإيمان والإسلام، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذاب الله إلا صدقه، فقال تعالى كما جاء فى سورة المائدة ” هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ” ويقول الله تعالى فى سورة الأحزاب “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما”

والنحب هو النذر والعهد، فقد ذكر ابن كثير في التفسير سبب نزول هذه الآية، فذكر نزولها في أنس بن النضر، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما، وذكر في ذلك حديث البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه، وقال الإمام أحمد قال، قال أنس بن مالك، عمي أنس بن النضر رضي الله عنه سميت به، لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فشق عليه، وقال أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبت عنه، لئن أراني الله تعالى مشهدا فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليرين الله عز وجل ما أصنع، قال فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فاستقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال له أنس رضي الله عنه، يا أبا عمرو، أين واها لريح الجنة? إني أجده دون أحد، قال فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه، قال فوجد في جسده بضعا وثمانين.

بين ضربة، وطعنة، ورمية، فقالت أخته عمتي الربيع ابنة النضر، فما عرفت أخي إلا ببنانه” قال فنزلت هذه الآية، فقال فكانوا يرون أنها نزلت فيه، وفي أصحابه رضي الله عنهم، رواه مسلم، والترمذي، والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة به، ورواه النسائي أيضا، وقال ابن أبي حاتم، حدثنا أحمد بن الفضل العسقلاني، حدثنا سليمان بن أيوب بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله، حدثني أبي، عن جدي، عن موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة رضي الله عنه، قال لما أن رجع رسول الله صلى الله عليه من أحد، صعد المنبر، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، وعزى المسلمين بما أصابهم، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر والذخر، ثم قرأ هذه الآية من سورة الأحزاب “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما”

فقام إليه رجل من المسلمين، فقال يا رسول الله، من هؤلاء؟ فأقبلت وعليّ ثوبان أخضران حضرميان، فقال أيها السائل، هذا منهم، وكذا رواه ابن جرير من حديث سليمان بن أيوب الطلحي به، وعن موسى بن طلحة، قال دخلت على معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه، فلما خرجت دعاني، فقال ألا أضع عندك يا ابن أخي، حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” طلحة ممن قضى نحبه” وإن من أنواع الصدق، وهو ذلك النوع العظيم المهم الذي لا نجاة للعبد إلا به، ألا وهو صدقه ابتداء في إيمانه بهذا الدين، وتلفظه بالكلمة العظيمة، كلمة التقوى شهادة أن لا إله إلا الله، وكذا تلفظه شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو القائل “ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار” فاشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم في إنجاء من قال هذه الكلمة من النار.

أن يقولها صدقا من قلبه، فلا ينفعه مجرد التلفظ بدون مواطأة القلب، وقال عز وجل في ذم من يقول هذه الكلمة دون مواطأة القلب كما جاء فى سورة البقرة ” ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ” فاحذروا من خداع أنفسكم، وتبرير التكاسل لها عن العبادة أو الطاعة، وإن الصدق في الإيمان له مقومات ودلائل، أولها هو العمل الصالح فإن الله عز وجل، جعل العمل الصالح أيضا بالإضافة إلى مواطأة القلب للسان، من مقومات صدق الإيمان التي لا يتم إلا بها، كما قال الله عز وجل فى كتابه الكريم فى سورة البقرة ” ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.