وجوه في الزحام … إدارة الحب

بقلم / د. أحمد حافظ

الإدارة علم وفن وأضيف إليها حب أيضا والذي ينبغي أن يولد من داخل كل من يترأس عملا إداريا إلا إننا نجد صنفان من الإداريين .. صنف ديكتاتوري عنيف الطبع وسريع الإنفعال وتطبيق القوانين واللوائح .. وصنف مُحب للناس .. والعمل بالنسبة له تحقيق نجاح له شخصيا وإضافة الجديد والتيسير علي الموظفين والجمهور لأنه يعلم جيدا أنه يعمل عندهم وليس إمبراطور عليهم وقد قام أحد العلماء بعمل تجربة علي فصلين من فصول إحدي المدارس لمدرس ديكتاتور عنيف وآخر هاديء الطبع مُحب لتلاميذه وأمر كلا منهما بترك الفصل لمدة ربع ساعة وترك التلاميذ بمفردهم وبعد العودة وجدوا أن التلاميذ الذي يقوم بالتدريس لهم هذا الديكتاتوري قاموا بكسر المقاعد وضربوا بعضهم بعضا . أما الفصل الذي يديره المدرس المحب لتلاميذه وجدوا الطلاب يجلسون في أماكنهم منهم من يقرأ الدرس ومنهم من يتحدثون مع بعضهم البعض دون صوت عال . ومن هذه النماذج الرائعة أذكر بعضها .

النموذج الأول : المرحوم محمد إبراهيم فهمي .. كان مديرا لأحد المدارس التجارية وكانت الدراسة تبدأ في مدرسته الساعة السابعة والربع لأن المدرسة كانت ثلاث فترات والحصة مدتها 30 دقيقة فقط والجرس الساعة السابعة وكانت المواصلات صعبة جدا وذلك في بداية الثمانينات وكان يجلس بجانب باب المدرسة ويضع كراسي لإستقبال المتأخرين والإصرار علي أن يأخذ المتأخر نفسه من الجري كي يلحق بالحصة التي قد تكون في آخرها دون تعنيف أو عتاب ولو تكرر ذلك أكثر من مرة وكان علي المدرس أن يفكر في إحدي الأمرين .. إما أن يأتي مبكرا جدا ويحافظ علي ذلك أو ينتقل من المدرسة بمحض إرادته لأنه لن يحافظ علي الحضور مبكرا وكان هذا أسلوبه في معالجة كل المشاكل حتي أنه نجح بإقتدار في حضور المدرسين بكثرة في أجازة الصيف والتنافس فيما بينهم علي القيام بأي عمل داخل المدرسة في تلك الأجازة الصيفية لأن كل منهم يحب أن يظهر بصورة الأفضل وذلك دون أمر شفهي أو مكتوب .

النموذج الثاني : المرحوم أحمد حلمي مدير أحد المدارس القومية والتي جعلها ذي سمعة طيبة وأدخل عليها التعليم باللغات والمجاميع العالية وإستعان بالمدرسين من ذوي الكفاءات العالية للإرتقاء بالناحية التعليمية وكان يقود السفينة بالحب الشديد لعمله وللناس لدرجة أنه كان يقوم بحل مشاكل المدرسين في الجهات غير التعليمية نظرا لعلاقاته الواسعة مع الجهات المسئولة في أنحاء الأسكندرية .

النموذج الثالث : الدكتور علاء الدين عبد الله خليل والذي تدرج في المناصب في القري والنجوع وعُين مديرا للطب الوقائي عام 1986 بمنطقة العامرية الطبية للإشراف والمتابعة وتطوير الخدمات العلاجية والطبية لجميع الوحدات الطبية والمستشفيات وقد نجح نجاحا باهرا في توفير الخدمات الطبية اللازمة لتلك الوحدات ونجح في توزيع اللقاح للقضاء علي إنتشار مرض شلل الأطفال نهائيا . ثم عُين مديرا عاما للمنطقة الطبية بالعامرية لتكملة المسيرة الطبية العلاجية حتي سن التقاعد . ويتميز ذلك الطبيب بالهدوء والإخلاص والتعامل الإنساني الراقي والمتميز مع زملائه الأطباء ومع المرضي ومع كل من تعامل معه وتقديم كافة الخدمات لهم دون تمييز أو التعامل بغلظة أو وضع عوائق أمامهم .

النموذج الرابع : أسامة عباس محمد قطايا خريج كلية التجارة – جامعة الأسكندرية – وعمل مراجعا بإحدي شركات القطاع العام وإنتقل للعمل بمصلحة الضرائب وعمل مراجعا ثم عضوا للجنة طعن الضرائب ثم مدير فحص حتي وصل إلي مديرا عاما لمأمورية ضرائب اللبان . وتلك الشخصية تجده مبتسما دائما ويتنافس الموظفون في إرضائه كي يطلب منهم أي عمل لما وجدوا منه الحب والعدل والعطاء ونظافة اليد والإبتعاد عن التمييز أو الإقتراب من أي ممول للحصول علي خدمات أو عمل أي علاقات مشبوهة مع الممولين لتحقيق مصالح خاصة .

النموذج الخامس : محمود عبد الرزاق عبد المجيد وهو حاصل علي بكالريوس الإقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة عام 1976 – ومن عجائب الأمور أنه تقدم لشغل وظيفة رئيس مجمع إستهلاكي ثم جاء دوره في القوي العاملة وعُين بإدارة جامعة الأسكندرية وعند توزيعه لإستلام العمل تم إلحاقه بإدارة شئون العاملين وحقق نجاحا باهرا وأصبح مديرا عاما لشئون الأفراد وتلك الشخصية المحبوبة التي كانت تقوم بخدمة جميع العاملين بشئون الأفراد علي مستوي الجامعة وليس الإدارة فقط .
وكان يعرفه من أصغر عامل إلي رئيس الجامعة وكان محبوبا لدرجة العشق لدي الجميع والدليل كم البكاء من الموظفين عليه حين خرج للمعاش لأنه لن يتكرر بالنسبة إليهم إلا قليلا من عطاء وحب وقضاء مصالح وسرعة إنهاء الأعمال والسعي لكل موظف للحصول علي حقه من الترقية وخلافه
ونموذج آخر وهو السيد العربي أحمد حسن وهو من مواليد 1944 – دمياط – وعُين بالتدريس بالمرحلة الإبتدائية حتي وصل مديرا للإدارة التعليمية بالتعليم الإبتدائي ببرج العرب بالأسكندرية حتي وصل للمعاش عام 2004 ويتصف بأنه الرجل الخدوم سواء في عمله أو أي مكان يتواجد به ولا يستريح حتي ينجز لمن طلب منه الخدمة طلبه وليس ذلك في التعليم فقط ولكن في جميع الجهات التي تتيح له معارفه قضاء حوائج الناس وراحتهم .

والنموذج الآخر أحمد ياسين وهو أستاذ اللغة العربية وعمل بالتدريس وكانت آخر مراحل عمله بإحدي المدارس القومية وتدرج في الوظائف لديها حتي وصل إلي ناظر المرحلة الثانوية بها وكان جمال هذا الإنسان في إبتسامته عندما يقابل المدرسين أو أولياء الأمور أو الطلاب وتعامله معهم في كيفية تبسيط المشاكل وحلها وكان ناجحا فنيا وإداريا ذو مستوي عال من الكفاءة من الألف إلي الياء وكان ينقل خبرته للآخرين بحب شديد دون بخل أو تعال .
والوجه الآخر أحمد جمال الدين الحفناوي من مواليد الأسكندرية عام 1947 خريج تجارة الأسكندرية عام 1970 وعُين بشركة النصر للأصواف وتدرج من مراقب فني ثم رئيس مراقبة ثم حصل علي دبلومة مراقبة جودة يُكلف بتنفيذ مراقبة الجودة علي مستوي الشركة ثم علي مستوي شركات الغزل والنسيج من مؤسسة الغزل حتي تم تعيينه مديرا للجودة بشركة النصر للأصواف والمنسوجات ( ستيا ) وهو يتمتع أيضا بالهدوء والكفاءة والعدل في إتخاذ القرارات . وكان أحد أسباب نجاحه إهتمامه بالإنسانيات ومشاكل العاملين الخاصة والتي كانت دافعا وعاملا هاما وأساسيا في نجاح إدارته بالحب الذي تدفق منه للعاملين وكان له رد فعل السحر في إبداعاته ونجاحاته .
والوجه الآخر عباس أحمد عباس يوسف وهو من مواليد الأسكندرية عام 1953 خريج حقوق الأسكندرية وتدرج في الوظائف الإدارية بكلية الصيدلة جامعة الأسكندرية من سكرتير قسم الكيمياء بالصيدلة ثم مديرا لمكتب وكيل الكلية فأمين للكلية ثم أمين عام للكلية وتتميز تلك الشخصية بالهدوء الذي أضاف إلي شخصيته التوازن النفسي في التعامل مع العاملين بالكلية من الموظفين وأساتذة الكلية والطلاب بشكل حضاري وإنساني متحضر مما جعله محبا للناس وإنتقل هذا الحب إليه فكانت مدة إدارته يتحدث عنها كل من تعامل معه ويتحاكي بها الجميع خصوصا بعد خروجه للمعاش .
وبالنظر إلي كل هذه النماذج نجد أنه يجمع بينهم الحب من الله لأنه من أحبه الله حبب فيه الناس . كما يجمع بينهم نظافة اليد وحسن إستقبال الناس والإهتمام بظروف العاملين أولا قبل اللوائح والقوانين . لأنهم يديرون الحياة وعملهم بالحب لا بالديكتاتورية ولا بالألفاظ النابية ولا بأساليب فرق تسد .
تحية للذين فقدناهم وللذين نفتقدهم كل يوم وتحية للذين ما زالوا معنا علي قيد الحياة ونرجوا من كل قاريء أن يتعرف علي تلك الشخصيات وينصح أبنائه علي أن تكون هذه النماذج قدوة لهم ولنا جميعا
وأخيرا أرفع لهم جميعا القبعة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.