بقلم / د. فرج أحمد فرج
باحث انثروبولوجيا
خرجت علينا في الاونة الأخيرة أثيوبيا تعلن للعالم انها اتممت بناء سد النهضة الأثيوبي وانها في صدد الملئ الاخير هذا الموسم وسيتم فتح العيون لتشغيل تيربونات توليد الكهرباء دون الحاجة لاي اتفاقات او معاهدات ملزمة لها مع اي دولة اخري والمقصود بالدول الاخري هي دول المصب السودان ومصر .
وبذلك هذه الدول سوف تنتظر تشافيط تصريف النهر حين تشغيل التيربونات او تصريف الماء الزائد عن الحد في منسوب البحيرة أمام السد .
وللاسف خرج علينا خبير المياه واطلق بشري عظيمة لمصر ان بحيرة فيكتوريا والبرت امتلئت وان سقوط الامطار عليها هذا العام لم تشهده هذه المنطقة من 25 عاما .
انا لا أعرف ما سر البشري السارة لمصر وهو يعلم ان جريان النيل من فيكتوريا الي النيل الأبيض تصريف النهر فيه مهما عظمت المياه لن يستفيد منها سوي 15 الي 20% فقط من تصريف النهر وهو المصدر الدائم له بينما المصدر الموسمي للنهر يأتي من النيل الازرق اي القادم من اثيوبيا بنسبة 80% وهو المصدر الرئيسي لملئ بحيرة ناصر خلف السد العالي .
فليس تشافيط النيل الأبيض التي تأتي من فيكتوريا والتي تهدر معظم مياهه في السياحات نتيجة انسداد المجري بالنباتات والحشائش والجلاميد والحصي التي تاتي نتيجة جريان المياه في المجري ، ولا تكرم اثيوبيا بفتح العيون لتصريف الماء الزائد خلف السد ان وجد تكفي احتياجات بلدان المصب من مياه النهر .
النيل هو من صنع الله ويفيض بأذنه .. وما خلقه الله لا يستطيع أحد ان يمنعه
تذكرت استاذي د. حسن الخولي وانا ادرس في كلية الدراسات العليا الافريقية بقسم الانثروبولوجيا في جامعة القاهرة من أعوام جغرافيا اثيوبيا ..سألنا سؤال هل تعلمون كيف يفيض النيل وفي اوقات محددة من كل عام ؟
وسكت برهة ثم نوه .. هل تذكرون قصة يوسف الصديق عليه السلام وقصة البقرات السمان والعجاف .
هذا هو حالنا مع اثيوبيا حين يغزر المطر علي هضبتها نعيش سمان وحين ينحرف خط سقوط المطر بعيدا يحدث الجفاف وتاتي سنوات العجاف .
وهنا كان مدخل الدرس وبمنتهي الثقة .. اختصر بجملة واحدة .. ان ذلك يحدث بأرادة الله وحده .
لان دوران الاعاصير بشكل دائم عكس عقارب الساعة في النصف الشمالي من الكرة الارضية .. الامر الملفت هو ان هذه الحركة تكون مع عقارب الساعة في النصف الجنوبي من الكرة الارضية .
وتسأل ما السبب وراء ذلك ؟
ومع صمتنا .. قال تأثير قوة كوريولس ..يؤثر دوران الارض علي اتجاه الرياح ، فعندما تدور الارض حول محورها لا يمكن ان تتحرك الرياح في خط مستقيم بأتجاه الشمال والجنوب من خط الاستواء .
تنشأ قوة كوريولس وتحت تأثيرها تنحرف الرياح الي اليمين في نصف الكرة الشمالي والي اليسار في نصف الكرة الجنوبي .. واشار الي هذه الظاهرة بإسم قانون فيريل وفيه ينحرف سير هبوب الرياح عكس اتجاه عقارب الساعة حول الضغط المنخفض وبأتجاه عقارب الساعة حول الضغط الجنوبي ويتدفق الهواء ببساطة من مناطق الضغط العالي الي مناطق الضغط المنخفض .
والرياح التي تهب علي هضبة الحبشة المفروض انها قادمة من المحيط الهندي في صورة رياح جنوبية شرقية كما هي دائما علي الصومال لانها في الاراضي المنخفضة بينما عندما تمر علي اثيوبيا وهي هضبة ارتفاعها يقرب ما بين 2000- 4000م فوق سطح البحر ومع هذا الارتفاع تنخفض درجة الحرارة وتصطدم بها تلك الرياح القادمة من المحيط الهندي والمحملة ببخار الماء ولاختلاف الضغط الجوي تسقط منها علي الحواف الشرقية ولكن سبحان الله وقدرته كلما ارتفعت وتغلغلت الي الداخل تحولت وفق النظرية السابقة من رياح جنوبية شرقية وتنحرف عائدة لتصبح جنوبية غربية وتضرب سفوح الهضبة العالية من الجهة الغربية وبغزارة في خط يسمي بخط المطر وتمتلئ البحيرات وباقي افرع الانهار ويكون النصيب الاكبر للنيل الازرق والذي ينحدر من الهضبة الاثيوبية انحدارا كبيرا ويحدث الفيضان في شهور الصيف.
ولفظ اثيوبيا يوناني الاصل ويعني الوجه المحترق .. فالمورد الرئيسي للنيل مصدره هضبة الحبشة .
وسالنا سؤال اخر .. ماذا لو تحرك هذا الخط بعض الدرجات .. سيصيب النهر بقلة المياه ويحدث الجفاف لسقوطها في مناطق بعيدة عن تصريف النهر في المنالطق الجدباء التي لا يستفاد منها .
فمنذ خلق الله الارض وتكونت الانهار وفق القوانين الالهية والنيل يجري بأذنه وقدرته .. وذكر الله في سورة الواقعة ذلك ﴿أفَرَأيْتُمُ الماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾ ﴿أأنْتُمْ أنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أمْ نَحْنُ المُنْزِلُونَ﴾.
وأما قوله – صلى الله عليه وسلم – في صحيح مسلم: «سيحان، وجيحان، والفرات، والنيل، كل من أنهار الجنة». فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فجرت أربع أنهار من الجنة: الفرات، والنيل، وسيحان وجيحان”.
وكان فرعون مصر يحس جنوده ان يهبوا ويخرجوا ولا يعودوا الا بعد تحرير ما يعيق مياهه
” إذا انخفض منسوب النهر، فليهرع كل جنود الفرعون ولا يعودون إلا بعد تحرير النيل مما يقيد جريانه.”
هذه الكلمات منقوشة على لوحة فرعونية بمقياس النيل بالمنيل جنوب غربي القاهرة، وتوضح أنه منذ بداية التاريخ وفي عصور الفراعنة كان لنهر النيل قدسيته وجلاله، بحيث إن مجرد انخفاض منسوب النهر كان لابد وأن يتحرك جيش الفرعون جميعه لكي يعود جريان النهر كما كان.
في أيامنا هذه نجد أن النهر معرض لعدم الجريان بسبب بناء دولة أثيوبيا لسد النهضة ولسدود أخري عليه والغاء اثيوبيا كافة الاتفات التي حدد فيها حصة مصر والسودان من تصريف مياه النهر .
فنهر النيل هو الذي يحضن الاشجار تذهر لنا بهذه الشكل الرائع فهو اكسوجين الحياة الذي بدونه لا نستطيع العيش وكتبت فيه الاشعار ومقولات المؤرخين .. قال عنه هيرودوت المؤرخ اليوناني ” مصر هبة النيل ” .وعلي ضفافة نشأت الحضارات المصرية وقدسه المصريون واسموا فيضانه بالاله ” حابي” ووضعوا له القرابين والقوانين في مقولات محفورة علي جدران المعابد ” من يلوث ماء النيل سيصيبه غضب الالهة “
ولو نظرت لمعصمك لوجدت وريدك الازرق اقرب الي تفريعاته ، من هنا ندرك اهمية المنابع الاثيوبية وتصريف المياه ومقدارها عند السد العالي .
بعد هذاالعرض المبسط العلمي والجغرافي والتاريخي .. نتعرف جيدا ان حصة المياه لمصر لن يفرط فيها احد كان وهذا ما تأكده القيادة السياسية في كل وقت وفي اي محفل دولي عبر الوسائل السياسية وكلنا ثقة في ان لو وصل الامر الي حرمان مصر من حقها سيكون هناك تصرف اخر .. وان حصة مصر من المياه يجب الاتمس ولا تمنع لانها بالنسبة لنا مصدر الحياة وواجب التمسك والدفاع عن تلك الحقوق بكل قوة وبلا هوادة ولا تفريط في هذا الحق ولا في اي نقطة ماء لانها شراين الحياة للمصريين .
ووجب علينا دراسة هذا البلد جيدا واكثر وعمقا الذي يتعنت ويريد ان يحجب عنا حقا ليس له فيه اية ارادة لان النهر يجري يأذن الله ويفيض ويحجب بأمره هو فقط منذ ان خلق الله الارض وقدر فيها اقواتها .
