نهج التابعين وأتباعهم


بقلم / محمـــد الدكــــروري

إن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، له حلاوة تتذوقها القلوب المؤمنة، وتهفو إليها الأرواح الطاهرة، وهو في ذاته قربة كبرى يتقرب بها إلى الله كل مريد رضوانه ومثوبته عز وجل، ورحاب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم واسعة، فهو بستان العارفين، ومُتنزه المحبين، يحنون إلى سيرته وشمائله وأخلاقه، فيقطفون منها على قدر جهادهم في حب الله، وإن نهج التابعون وأتباعهم، والمسلمون من بعدهم هو سبيل الصحابة الكرام في المحافظة على السنة النبوية الشريفة والعمل بها وإجلالها، فقال رجل للتابعي الجليل مطرف بن عبدالله بن الشخير، لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال مطرف “والله ما نريد بالقرآن بدلا، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا” وهذا من أخبار اقتداء السلف الصالح، من الصحابة والتابعين بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والمحافظة على سنته تفوق الحصر، منها، أنه أتت السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أبا بكر الصديق، تطلب سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول “إن الله عز وجل إذا أطعم نبيا طعمة، ثم قبضه جعله للذي يقوم بعده ” فرأيت أن أرده على المسلمين، فقالت فأنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلم، وفي وقعة اليرموك كتب القادة إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، إنه جاش إلينا الموت، يستمدونه، فكان أن أجابهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه “إني أدلكم على من هو أعز نصرا، وأحضر جندا، الله عز وجل، فاستنصروه، فإن محمدا قد نصر يوم بدر في أقل من عُدتكم، فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني” وقيل لعبدالله بن عمر رضى الله عنهما، لا تجد صلاة السفر في القرآن؟ فقال ابن عمر رضى الله عنهما “إن الله عز وجل بعث إلينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم شيئا، فإنما نفعل كما رأينا محمد صلى الله عليه وسلم، يفعل” وفي رواية أخرى “وكنا ضُلالا فهدانا الله به، فبِه نقتدي”

أولئك بعض صحابته لم يرضوا ترك سنة كان عليها نبي الرحمة، صلى الله عليه وسلم، ولم يقبلوا أن يُشككهم مشكك، أو يضللهم مضلل، ولم يقبلوا مع السنة رأي أحد مهما كان شأنه، ومهما علت مكانته، وهم بذلك حفظوا الحديث النبوي الشريف، ووجهوا الأمة الإسلامية إلى السبيل القويم، وحملوا الحكام على تطبيق أحكام الشريعة، وأبوا أن يماروا في دين الله، لا يخافون في الحق لومة لائم، وكان لهم الفضل الكبير، والشرف العظيم في حمل أحكام الشريعة، وهكذا كان للسنة قيمتها ومكانتها في القرآن الكريم، وفي قلوب الصحابة والتابعين، والعاملين بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، أجمعين، فإذا تقوّل اليوم متقوّل، وحاول أن ينتقص منها، أو يبتدع رأيا، أو يهاجم راويا، فإننا نشجب كل ذلك، ونسمه بالجحود والنكران، وإنه عندما اكتمل علم الحديث في القرن الثاني الهجري وأصبحت له قواعده وأصوله، ومناهجه وأساليبه وأعلامه المشهورين.

فقد نشأت علوم فرعية عديدة كعلم لغة الحديث، وعلم الرجال، وعلم الجرح والتعديل، وعلم التأريخ للسيرة النبوية الشريفة، ثم أخذ العلماء في توسيع نطاق هذا العلم الجليل ليُستفاد منه في التأريخ لأعلام المسلمين من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من العلماء في مختلف العلوم، ممن برزوا واشتهروا في مختلف العصور، وهكذا أصبح ما يُعرف بكتب الطبقات، جزءا مهما من أدبيات كل عصر، بل أصبح لكل قرن من قرون التاريخ الإسلامي، من يؤرخ لأعلامه، وبقي هذا التقليد قائما حتى عصر المحبي والمرادي، وعندما بدأت أساليب البحث العلمي تتأثر بالتقاليد الغربية وظهرت الموسوعات التي أحصت آلاف الأعلام، بادرت المؤسسات العلمية في البلاد الإسلامية إلى السير على هذا النهج، ولعل أحدث الجهود في هذا المجال ما تقوم به حاليا المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الألكسو، في إصدارها موسوعة الأدباء والعلماء العرب والمسلمين.

وإنه لا أعلم بين حضارات الأمم، حضارة أولت إحصاء أعلامها ما أولته الحضارة الإسلامية من جهد، حتى شمل هذا الإحصاء العلماء والشعراء وأصحاب المهن والفنانين، وقد شكلت هذه الكتب تراثا فكريا إنسانيا فريدا يجدر التنويه به عندما تذكر الإنجازات الحضارية الكبرى في العالم، ولذلك فكما حفظ القرآن الكريم وتفسير آياته وإتقان علومه يحتاج إلى قدرات واستعداد خاص عند الحفاظ والدارسين فإن حفظ متون الأحاديث وأسانيدها، ودراسة علوم الحديث يحتاج إلى جهود واستعدادات عظيمة وخاصة، غير أن حب المسلمين للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، جعل الإقبال على علوم الحديث محببا إلى نفوس المؤمنين إلى يومنا هذا، وهكذا كثرت الكتب التي تعنى بالحديث النبوي الشريف في كل عصر، ولكن الكمّ الهائل من هذه الأحاديث، واختلاف مراتبها من الصحة والضعف، جعل من الضروري اختيار ما يجب معرفته ودراسته وما يمكن تجاوزه.

وهنا تكمن المشكلة بالنسبة لمعلم الحديث في النظام التربوي، فأي الأحاديث وأي المتون يجب أن تحفظ وأيها يُدرّس، متنا وإسنادا، علما أن في كل جهد يبذل في هذا السبيل ثواب وفضل عظيم ؟ وإن من البديهي القول بأن مصدر كل توجيه في النظام التربوي الإسلامي هو القرآن الكريم، ثم السنة النبوية الشريفة، وإن ما يساعد المربي المسلم أن الحديث الشريف والسنة النبوية وأخبار الصحابة والتابعين ومن تبعهم من العلماء والصالحين، توفر مادة تعليمية غنية ومرنة تتكيف مع متطلبات التربية الحديثة، ففيها من القصص والأمثال الكثير الذي يستطيع المعلم أن يستفيد منه، لجذب انتباه طالب العلم الصغير والكبير، وفيها من ضروب البلاغة ومواقف النبل والشهامة والتقي والورع ما ينمّي الفضائل ويقدم القدوة الصالحة من جهة، ويوثق الصلة بين طالب العلم والتراث من جهة، ويساعد على بناء مجتمع صالح في المستقبل، ولكن على واضع البرامج الدينية.

أن يكون واعيا لمشكلات العصر الذي يعيش فيه لكي يحدد على ضوئها ما يختار من السنن والأحاديث وما يجب تدريسه في مختلف المراحل الدراسية، وهنا قد تتباين الآراء بين المربين، فمن هؤلاء من يضع في رأس ما يجب الاهتمام به القيم والفضائل الدينية والعبادات، ومنهم من يضع القضايا المعاصرة كالبيئة، وصيانة الأسرة، وقضية المرأة، وحقوق الإنسان والتعاون، ومحاربة الفساد وهكذا، وكل ذلك أساسي وهو يستوجب بالتالي وضع برامج متوازنة يقدم فيها الأهم على المهم، فعلى واضعي برامج التعليم أن يحصوا على تكثيف الاعتماد على السيرة النبوية الشريفة والحديث النبوي الشريف لأن السيرة والحديث هما مادة تعليمية دسمة وسهلة الفهم، وقريبة إلى مدارك التلامذة والطلاب، وهي خير ما يستشهد به عند الدعوة إلى الالتزام بالشرع والعمل بالمبادئ الأخلاقية التي هي أساس الدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.