أكتب مقالي هذا ويمتلئ قلبي حزناً، وأسىّ لقد حُرم سكان شمال غرب سوريا من الوصول إلى المعدات الثقيلة في الوقت المناسب بعد الزلزال من قبل الحكومتين الروسية والسورية، فضلاًعن؛ الخزي الغير مبرر من المجتمع الدولي والآمم المتحدة، حيث أعربوا الكثير عن أسفهم، وكان الناس تحت صراخ الخرسانة، «أخرجونا»!، وكانت يداهم وحدها ليست كافية، وأن وصول كميات غير كافية من المساعدات بعد أربعة أيام هو مجرد علامة مروعة على اللامبالاة المخزية، والإهمال الذي قد يكون متعمد تجاه حياة المحاصرين تحت الأنقاض، مما يرسل رسالة سلبية تماماً إلى عائلات هؤلاء الضحايا الأبرياء، مفادها أنه يجب التخلي عنهم ببساطة.
ووثقت التقارير الرسمية مقتل”5998” سورياً، جراء الزلزال والإستجابة الدولية والأمم المتحدة المتأخرة بين 6 ، 14 فبراير 2023، وتتوزع هذه الوفيات بحسب المناطق التي وقعت فيها، على النحو التالي: 2157 إستشهدوا في مناطق في شمال غرب سورية، و”3841″ لاجئاً سورياً في تركيا، وقدمت التقارير ملخصاً بيانياً لهذه الأرقام، كما قدمت رسوماً بيانية توضح توزيع الضحايا في سوريا حسب مكان وفاتهم، بينما يصنف الضحايا السوريين الذين ماتوا في تركيا حسب محافظتهم السورية الأصلية.
لذا؛ أطالب في مقالي هذا بفحص هذة التقارير فضلاًعن؛ إستجابة وكالات الإنقاذ، والمعونة الرئيسية التابعة للأمم المتحدة، وهي فريق الأمم المتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق”UNDAC”، والمجموعة الإستشارية الدولية للبحث، والإنقاذ “INSARAG”، والصندوق المركزي للإستجابة للطوارئ، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، والمنظمة الدولية للهجرة “IOM”، بتوضيح ما هو السبب الذي دفع إلى فشل جميع هذه الوكالات في الإستجابة بشكل مناسب للإحتياجات الإنسانية لضحايا الزلزال في شمال غرب سوريا.
وأدعو جميع هذه الوكالات المذكوره إلى تحديد، وشرح أسباب منع وتأخير إستجابتها لأيام الكارثة الحيوية، مما أدىّ إلى العديد من الوفيات التي كان من الممكن الوقاية منها كلياً فهل سبب التأخير أمور سياسية؟، كما قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في بين لها، والذي قالت فيه إن هناك عوامل سياسية أخرىّ قيد التنفيذ لم يتم الكشف عنها بعد وراء عدم الإستجابة، فهل تحقيق الجهات الدولية المعنية لكشف السبب الحقيقي وراء هذا الرد المتأخر القاتل، لأن المعترف به الإستجابة لأي زلزال هو خلال الـ 12:24 ساعة الأولىّ بعد ذلك مباشرة أمر بالغ الأهمية.
فإن شمال غرب سوريا التي مزقتها الحرب في السابق في نزاع سياسي غير رشيد تسبب في إنهيار الدولة، ويرى العالم بأسرة السوريون يلتقتون قطع الهدم بمفردهم بعد الزلزال، ومازال النظام السوري يمارس أبشع أنواع الإنتهاكات ضد الإنسانية وحقوق الإنسان، حيث يشترط التنازل عن نصف المساعدات للوصول إلى ضحايا الزلزال بالشمال السوري، وفق تصريحات موظفة الإغاثة الألمانية منذ قليل، وعنونة الصحف صباح اليوم «موظفة إغاثة ألمانية تفضح نظام الأسد: يشترط تسليمه نصف المساعدات للسماح بوصول الباقي إلى منكوبي الزلزال»، هذا ما كشفتة موظفة في الهلال الأحمر الكردي الألمانية، والتي تتواجد مع قافلة المساعدات المتوجهة إلى مناطق شمال غرب سوريا.
وبدلاً من القنابل من السماء، هزت الأرض من الأسفل في، وقت مبكر من صباح يوم 6 فبراير مما أدىّ إلى سقوط المنازل متعددة الطوابق على رؤوس سكانها، وخلف هذا الزلزال المدمر العديد من القتلة في الشمال السوري، حيث يمكن أن تتدفق المساعدة الدولية بسهولة في الوقت المناسب لكن السياسات المعقدة للمساعدات الإنسانية في شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة تركت العديد من المواطنين الذين أنهكتهم الحرب هناك يدافعون عن أنفسهم بمفردهم، وأكتفى البعض بالفرجة فقط.
فقد الكثير عائلتهم وهم ينظرون بكل أسىّ يسمعون صراخهم إنقذونا، ولكن لعدم توفر المعدوات والمساعدات في الوقت المناسب، عجزوا عن إنقاذهم، ومن أبرز القصص المروعة فقد”وليد إبراهيم” أكثر من عشرين شخصاً من أفراد عائلتهُ من بينهم شقيقه وأبن عمه، وجميع أطفالهم، ولم يتمكن من إخراج جثثهم من تحت الأنقاض إلا بعد يومين من الزلزال، وقال؛ كنا نزيل صخرة تلو الأخرىّ، ولا نجد شيئاً تحتها، وكان الناس يصرخون تحت الخرسانة، “أخرجونا! أخرجونا! “، لكننا خرجنا بأيدي فارغة وكأن لسان حائل يقولة له «يديك وحدها لا تكفي» فالخزي والعار على من خذلكم، وتجاهل صراخكم بحجج واهية ولم يرسل إليكم المساعدات في الوقت المناسب.
وعانت أجزاء كثيرة من شمال غرب سوريا، وفي إحدىّ الجولات الصحفية يوم الثلاثاء الماضي، ذكر أنهم شاهدوا نحو 20 رجلاً وصبياً يحاولون إنقاذ ما في وسعهم من منازل مدمرة في مناطق الزلزال، دون ملابس واقية أو زي رسمي، فقط إرتداء البعض منهم قفازات مغطاة بالغبار الرمادي، والأبيض لقوالب الطوب المحطمة، وحتى رموشهم وشفاههم ولحاهم كانت مغطاة بالمواد الطباشيرية، وفق ما جاء في تقرير لـ “رويترز”.
وما حدث لسكان شمال غرب سوريا يعُد المرة الأولىّ التي يحدث فيها ذلك في جميع أنحاء العالم، يقع زلزال، والمجتمع الدولي، والأمم المتحدة يتراخىّ بشكل مخزي وغير إنساني ولا يساعدان في الوقت المناسب لإنقاذ ضحايا تحت الأنقاض يصرخون دون مجيبً لهم، وسيظل صراخهم في آذان كل من خذلهم، لإنهُ كان من الممكن إنقاذ المزيد من الأرواح في شمال سوريا لو تصرف العالم الخارجي، والآمم المتحدة المعنية الآولىّ في هذا الشأن بشكل أسرع وإنساني لكن يبدوا أنهم جميعاً تجردت منهم الرحمة.
ونقلت العشرات من شاحنات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة في وقت لاحق من الغذاء والدواء عبر المعبر الحدودي الوحيد بين تركيا والمناطق المتضررة في شمال غرب سوريا، الذي أذن به قرار مجلس الأمن لعام 2014، والذي سمح بدخول المساعدات إلى هذه المناطق دون موافقة الحكومة السورية، يوم الثلاثاء الماضي، بعد ثمانية أيام من الزلزال، تم فتح معبر حدودي أخر لتوصيل المساعدات بعد أن أعطىّ النظام السوري موافقتهُ بعدما تأكد من وفاة الجميع ممن تركوا تحت الأنقاض وفق مصادر في الشمال السوري، مما يمثل تحولاً لدمشق التي عارضت منذ فترة طويلة تسليم المساعدات عبر الحدود إلى المعارضة.
وتسأءل الكثير لماذا عرقل النظام السوري وصول المساعدات وقت وقوع الزلزال؟ رغم الدعوات المستمرة حينها بعدم تسييس المساعدات، ولماذا تمت موافقتُة الآن؟ بعدما راح الألاف الذين كانوا يصرخون تحت الأنقاض «أخرجونا أخرجونا»! وصارعوا الموت بمفردهم من دون أن يجدوا من يحاول إنقاذهم، فقد قوبلت هذه الخطوة «موافقة النظام السوري بمرور المساعدات لمناطق الزلزال» بالتشكيك، وآثارت الغضب حتى من قبل العديد من سكان إدلب، حيث ينحدر معظم سكان إدلب البالغ عددهم 4 ملايين نسمة من محافظات أخرىّ تعرضت للقصف، وقال؛ بعضهم لو أراد “بشار الأسد” مساعدة هؤلاء، لما كان ليشردهم من الأساس.
وللأسف لم تتضمن الشاحنات أي معدات ثقيلة، أو أي آلات، لأنهم بحاجة إلى إزالة الأنقاض بشكل أسرع، ليتمكنوا من إعادة الإعمار، في أسرع وقت ممكن، ولكن قد تعيق الأزمة الإقتصادية الحالية في سوريا أيضاً إعادة البناء، حيث إن أكثر من 79٪ من الأسر غير قادرة بالفعل على تأمين إحتياجاتها الأساسية، وفق تقييم الأمم المتحدة، ولم يعد أمام السكان خيار سوىّ إعادة البناء، حيث لم تعد تركيا، التي تستضيف 3.6 مليون سوري، تقبل آخرين، وخاصةً بعد آزمتها الاخيرة، في حين يخشى الكثيرون من عبور خط المواجهة إلى مناطق تسيطر عليها قوات الأسد، لكن الموارد شحيحة والوضع مأساوي للغاية.
هل كان من الممكن منع إرتفاع عدد القتلى إثر الزلزال في شمال غرب سوريا؟ الأجابة”نعم” لو إستجابت الآمم المتحدة، والمجتمع الدولي، للنداءات المتكرره بإرسال المساعدات في أسرع وقت، وعدم تسييسها، ولكن أنتظر الجميع الآذن من النظام السوري الذي لايعنية في الاصل وجود هؤلاء”سكان الشمال السوري” من عدمة.
والمستشفيات أصبحت تستخدم جميع إحتياطياتها من المعدات الطبية لعلاج ضحايا الزلزال، وقد يؤدي نزوح عشرات الألاف إلى زيادة هائلة في تفشي الكوليرا الذي يجتاح المنطقة المجهدة بالمياة، فضلاًعن؛ إرتفاع غير مسبوق في أمراض أخرىّ، وفق بيان وزير الصحه”حسين بازار” من حكومة الإنقاذ المعلنة من جانب واحد في شمال غرب سوريا، فالآمر لايتعلق بخيمة، أو قطعة من الطعام هذا ليس الشيئ الأساسي للناس المتضرره، الناس تريد أن يشعروا بأنهم بشر يستحقوق العيش بكرامة في هذه المنطقة بعيداً عن أي معترك سياسي، ليس ذنبهم أن نشأوا في بلد تسبب في إنهيارها نظامها السياسي.
وختاماً: بعد الزلزال المدمر
أحث الجميع على أن دعم الشعب السوري المتضرر من الكارثة الطبيعية وفي هذا المصاب الجلل هو واجب قومي وشرعي وإنساني، ويرتفع فوق كل الخلافات السياسية، فقد قامت 213 محطة تلفزيونية، و562 إذاعة داخل وخارج تركيا، مساء الأربعاء الماضي، ببث حملة مشتركة شارك فيها مشاهير أتراك في تقديم حملة «تركيا قلب واحد» على الهواء مباشرة، ونجحت في جمع أكثر من 6 مليار دولار في 7 ساعات وفق وكالة «وكالة الأناضول» التركية فهل يجد ضحايا شمال غرب سوريا من يسعىّ لمساعدتهم؟.
فقد راح الألاف في الشمال السوري بسبب الزلزال الأخير، في المناطق غير التابعة للنظام السوري، لذا؛ يجب فتح تحقيق عاجل في سبب تأخر إستجابة الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي لعدة أيام من وقوع الكارثة، مما تسبب في المزيد من القتلى، ويجب محاسبة المسؤولين عن ذلك، ويجب النظر بشكل جادي، دون هواناً أو ضعف من الجهات الدولية المعنية في هذا الشأن، إلى أي مدىّ ساهم إعاقة الحكومتين السورية، والروسية للمساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل لشمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة خلال الفترة الرئيسية التي كان من الممكن فيها إنقاذ الناس والحد من إرتفاع عدد القتلى؟ وأن تسعىّ جميع الجهات المعنية لإجراء تحقيق شفاف.
ولعائلات الضحايا الذين لقوا حتفهم في الزلزال الحق في معرفة سبب تأخر الإستجابة الدولية الأممية لعدة أيام من الكارثة، على الرغم من أن الساعات الأربع، والعشرين الأولىُ هي النافذة الزمنية الأكثر إلحاحاً، والأكثر أهمية في مثل هذه الحالات، ويجب على الأمم المتحدة أن تبدأ تحقيقاً داخلياً ، بينما يجب على منظمات حقوق الإنسان الدولية والصحافة الإستقصائية والجهات الدولية المعنية إلقاء الضوء على هذا الجانب المظلم من القصة، ويجب على الدول المانحة أن تتعلم من هذه الأخطاء الكارثية وأن تبني منصة تنسيق دولية محايدة يمكن أن تلعب دوراً مركزياً حاسماً في جهود الإغاثة، وفي توزيع المساعدات الدولية في المناطق غير الخاضعة للنظام.